في هذا الشهر، وللمرة الثانية فقط في تاريخها، ستركز الجمعية العامة للأمم المتحدة على الهجرة الدولية. والواقع أن المخاطر عالية. فما أصبح على المحك الآن ليس فقط رفاهة 232 مليون مهاجر على مستوى العالم، بل صحة مجتمعاتنا واقتصاداتنا، أيضاً. ولهذا السبب، يتعين على الحكومات أن تأتي إلى نيويورك للتعهد بالتزامات، وليس فقط لإلقاء التصريحات والبيانات.
شهد عام 2006 أول قمة تعقدها الأمم المتحدة في هذا الشأن، وقد أدت إلى إنشاء المنتدى العالمي للهجرة والتنمية. وكان المنتدى موضوعاً لمعارضة شرسة من قِبَل البعض، ولكنه أثبت منذ ذلك الوقت قيمته البالغة في بناء الثقة بين الدول وتعزيز الفهم المشترك للهجرة.غير أن قمة هذا العام ستفشل لا محالة إذا لم تنتج سوى الخطب البلاغية والمعالجات النظرية.كان الكثير من التركيز في الأشهر الأخيرة منصباً على دمج الهجرة في أجندة الأمم المتحدة للتنمية. وهو هدف حاسم وسوف يحتل مرتبة متقدمة على أجندة الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية هذا الشهر. ومن الأهمية بمكان أن نضمن الإدراك الكامل من جانب أصحاب المصلحة في التنمية للكيفية التي قد تساعدنا بها الهجرة في تلبية الأهداف الإنمائية الأصلية للألفية وأيضاً أهداف التنمية المستدامة التي من المتوقع أن تخلف الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2015.ولكن بصرف النظر عن طبيعة عملية ما بعد 2015، فإن المجال متاح للدول والهيئات الدولية ومنظمات المجتمع المدني وغير ذلك من أصحاب المصلحة لتعميق التعاون فيما بينها والتعهد بالالتزامات الكفيلة بتحسين نتائج الهجرة- سواء بالنسبة للمهاجرين أو بلدانهم الأصلية وبلدان المقصد. وإليكم عشرة التزامات بوسع الحكومات أن تتعهد بها:• خفض تكاليف التحويلات. قبل عشرة أعوام، كان المهاجرون يدفعون 15 في المئة في المتوسط لإرسال الأموال إلى بلدانهم الأصلية. واليوم يدفعون 9 في المئة، ولكن النسبة المستهدفة بصفر تقريباً قابلة للتطبيق باستخدام التكنولوجيات الجديدة. فقد عملت الولايات المتحدة والمكسيك على سبيل المثال على إنشاء برنامج يكلف خمسة دولارات كرسم ثابت عن كل عملية تحويل. والوصول إلى 5 في المئة من شأنه أن يوفر نحو 16 مليار دولار سنوياً- ويعادل هذا الرقم من قبيل المصادفة تكاليف تحقيق هدف التعليم الأولي على مستوى العالم بالكامل.• التصديق على اتفاقية العمالة المنزلية، كانت المعاهدات المرتبطة بالهجرة بلا شعبية لعقود من الزمان، خصوصاً بين بلدان المقصد، ولكن أهمية التصديق على هذه الاتفاقية وتنفيذها لابد أن تكون واضحة لكل الدول، نظراً للظروف المروعة التي يواجهها عمال المنازل عادة، وفي التصديق عليها فربما يكون لزاماً على الدول أن تعيد النظر في قيمة مثل هذه المعاهدات الموجهة لفئة بعينها.• اتخاذ إجراءات صارمة ضد المستخدمين الاستغلاليين، إن الرسوم التي يدفعها المهاجرون للمستخدمين باهظة عادة، وقد تستهلك نحو ثلث مكاسبهم. ولا ينبغي للمهاجرين أن يدفعوا أي شيء على الإطلاق، لأن أرباب العمل في حاجة ماسة إلى عملهم. وتحتاج هذه المنطقة إلى الإبداع الكفيل بتوفير المليارات من الدولارات للمهاجرين سنوياً.• ضمان قدرة المهاجرين على الاحتفاظ بما يكسبون. في كثير من الأحيان يدفع المهاجرون لمصلحة خطط للتقاعد والرعاية الصحية لا يستفيدون منها أبداً. وتدافع بعض البلدان عن حقوق مواطنيها في مثل هذه الفوائد: 80 في المئة من المهاجرين الأتراك والمغاربة، على سبيل المثال، يأخذون فوائدهم معهم إلى موطنهم الأصلي. ولكن في الإجمال لا يتعدى من يفعلون ذلك من كل المهاجرين 20 في المئة.• حظر احتجاز المهاجرين الشباب. لا ينبغي للأطفال أن يسجنوا أبداً، إلا في الظروف القصوى؛ ورغم هذا فإن الآلاف من أطفال المهاجرين محتجزون حالياً، بما في ذلك المئات في حبس انفرادي. ولا ينبغي لهذا الأمر أن يكون مطروحاً للمناقشة حتى. فإن كانت هناك ضرورة لاحتجاز الأطفال وقائياً، فلابد أن يكون ذلك في ملاجئ للرعاية البديلة. ولابد أن يكون الإبقاء على أفراد الأسرة الواحدة معاً على رأس الأولويات.• منح المهاجرين الحقوق المتساوية في العمل. إن ظروف العمل غير المتكافئة تضر بالمواطنين والمهاجرين على حد سواء، وتسمح لأرباب العمل بتأليب مجموعة ضد الأخرى. لذا، فمن الأهمية بمكان أن يتمتع جميع العاملين بنفس الحقوق، فضلاً عن القدرة على اللجوء إلى السبل القانونية.• منع إهدار الكفاءات، إن بعض البلدان تعاني عندما يهاجر العمال المهرة، ولكن الفشل في خلق الآليات الكفيلة بالسماح للمهاجرين باستخدام مهاراتهم يلحق بهم ضرراً أشد. فلا يجوز للأطباء المدربين أن يقودوا سيارات أجرة. صحيح أن إنشاء معايير وطنية وإقليمية وعالمية ليس بالمهمة اليسيرة، ولكنها ضرورية بالقطع.• تسريع عملية التأهل للحصول على حقوق الإقامة والمواطنة، إن عدداً كبيراً من المهاجرين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، لأنهم يفتقرون إلى حقوق الإقامة- وغالباً برغم قضائهم عشرات السنين في البلدان التي هاجروا إليها. وكثيراً ما تقيدهم سياسات التجنس الصارمة أو مطالبتهم بالتخلي عن جنسياتهم الأخرى (وهذا أشبه بمطالبة الأبناء بالتبرؤ من آبائهم قبل الزواج). وتتلخص أفضل طريقة لضمان حصول المهاجرين على الحقوق الكاملة في إنشاء مسار واضح وسريع إلى الإقامة القانونية الدائمة والمواطنة.• منح السلطات المحلية والقطاع الخاص المزيد من المسؤوليات. إن الهجرة موضوع شديد التسييس يميل الساسة الوطنيون إلى تجاهله أو استغلاله. وعلى النقيض من هذا فإن السلطات المحلية لا تملك خياراً سوى التعامل مع التحديات الحقيقية التي تفرضها الهجرة. ويتعين عليها أن تلعب دوراً أكبر في صنع السياسات. على نحو مماثل، ولأن أغلب المهاجرين ينفقون أغلب ساعات يقظتهم في العمل، فإن أرباب العمل لابد أن يلعبوا دوراً بالغ الأهمية في هذا الصدد- سواء بمساعدتهم في الاندماج أو بحماية حقوقهم.• إشراك المغتربين. إن قِلة قليلة من الحكومات تعمل مع مواطنيها المغتربين. وتلك التي تعمل معهم- على سبيل المثال، الهند والصين وكوريا الجنوبية وأيرلندا- استفادت بشكل هائل. وينبغي للمزيد من البلدان أن تحرص على إنشاء برامج فعّالة لدمج مهارات المغتربين ومواردهم في خططها الإنمائية.كل هذه الأهداف واقعية، وتحقيقها من شأنه أن يعزز من إسهام المهاجرين في التنمية وتحسين مجتمعاتنا. والواقع أننا حققناً تقدماً كبيراً بالفعل على العديد من الجبهات المرتبطة بالهجرة- على سبيل المثال، في ملاحقة المتاجرين بالبشر قضائياً. وعلى مدى العام الماضي أحث الدول شخصياً على تحديد الكيفية التي يمكننا بها توفير حماية أفضل للمهاجرين المتضررين بالأزمات الإنسانية مثل الصراعات الأهلية والكوارث الطبيعية والتي يصنعها البشر. وقد عرضت الولايات المتحدة والفلبين، بالعمل مع الهيئات الدولية والخبراء، قيادة مبادرة في التصدي لهذا التحدي. إن هذا النوع من "التعددية المصغرة"- والتي تعمل بمقتضاها مجموعات صغيرة من أصحاب المصلحة في تعاون وثيق وفعّال من أجل إنتاج أفكار مبدعة تجري مناقشتها بعد ذلك في سياق أكثر رسمية- قادر على المساعدة في دفع التعاون وتعزيز النظام الدولي من القاعدة إلى القمة. ولا نملك إلا أن نرجو أن تتمخض قمة الأمم المتحدة هذا الشهر عن العديد من هذه المبادرات.* بيتر ساذرلاند ، رئيس كلية لندن للاقتصاد، والرئيس غير التنفيذي لمجلس إدارة "جولدمان ساكس" الدولية، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الهجرة الدولية والتنمية، والمدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، ومفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون المنافسة سابقا، والنائب العام الأسبق في أيرلندا.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
الوصايا العشر لقمة الأمم المتحدة لقضايا الهجرة
07-10-2013