ما قل ودل: لا يا دكتور، ليس في الأمر لغز أو إخلال بالمساواة

نشر في 02-06-2013
آخر تحديث 02-06-2013 | 00:01
 المستشار شفيق إمام عزيزى د. محمد لطفي    تحية طيبة وبعد،،،

بالإشارة إلى مقالك الأسبوعي على صفحات "الجريدة" أمس الأول، والمقال الذي سبقه يوم 24 مايو، اللذين طرحت فيهما سؤالين أستميحك عذراً في الرد عليهما، خاصة وقد استهللت مقالك الأخير "بعجزك عن فهم ما يدور في الساحة السياسية المصرية، وتتبادر إلى ذهنك أسئلة عديدة لم تجد أجوبة لها، وتتداخل الأسئلة والمواقف مع بعضها بعضا حتى يعتقد الناظر إليها أنه نوع من الألغاز أو "البزل" يصعب حلها".

وسوف يكون ردي على السؤالين من المنظور الدستوري والقانوني الذي لا أملك سوى أدواته:

السؤال الأول: لماذا يتشبث القضاة في مصر بالإبقاء على سن التقاعد تشبث الرضيع بثدي أمه؟

وإجابتي عنه من المنظور الدستوري في ما يلي:

أولاً: عدم قابلية القضاة للعزل

وهو حكم اختص به دستور مصر 2012 القضاة وحدهم دون سائر موظفي الدولة في ما نصت عليه المادة (170) من أن القضاة مستقلون وغير قابلين للعزل. وعدم قابلية القضاة للعزل ليس امتيازاً للقاضي بقدر ما هو في المقام الأول حماية للعدالة، وتوفير الاطمئنان للقضاء لحمايته من مؤثرات أي سلطة وتدخلها، وهي ضمانة حرصت كثير من الدساتير على تقريرها.

وكان تقريره في إنكلترا لأول مرة في عام 1701، كما قرر دستور الولايات المتحدة الأميركية سنة 1787 ضمانة عدم قابلية القضاة الاتحاديين للعزل، كما قرر هذا المبدأ في فرنسا، مرسوم ملكي صدر في أكتوبر سنة 1464 ثم توارى هذا المبدأ مع قيام الثورة الفرنسية إلى أن عادت دساتير الثورة لتنص عليه. ويكاد النظام القانوني في أي دولة لا يخلو من تقرير عدم قابلية القضاة للعزل، كضمانة جوهرية لاستقلال القضاء.

ثانياً: خفض سن تقاعد القضاة مخالف للدستور

ومن هنا يصبح مشروع القانون الذي انتفض له القضاة وانتفضت له كافة القوى الثورية، التفافاً حول المادة (170) من الدستور، بأداة عزل جماعي لما يزيد على 3500 قاض، من خيرة رجال القضاء في مصر، منطوياً على إهدار لهذه الضمانة الجوهرية المقررة حماية لاستقلال القضاء من أي تأثير خارجي عليه في أداء رسالته السامية.

واستقلال القضاء ليس ميزة أو حصانة للقضاة أنفسهم، بل هو حماية للعدالة وحسن سيرها، وحماية للمجتمع وللمواطن، فالقضاء هو الحصن الحصين للحقوق والملاذ الأمين للحريات، واستقلال القضاء هو حق المجتمع، أو حق الشرع وفق ما يجري به تعبير فقهاء الشريعة.

السؤال الثاني: هل توافق على مد الخدمة إلى سن السبعين للأطباء والمهندسين وعمال المصانع وغيرهم، وموظف الأرشيف وسكرتير الجلسة وحاجب المحكمة؟! وإجابتي عنه:

إن السؤال الثاني قد وقع في خلط بين تخفيض سن التقاعد، ومد سن التقاعد.

لأن صدور قانون بمد سن التقاعد، هو أمر جائز ووارد، سواء بالنسبة إلى القضاة أو بالنسبة إلى غيرهم من موظفي الدولة وتحكمه اعتبارات سياسية واجتماعية واقتصادية ويخضع للملاءمات؛ لأنه لا يعزل القاضي بل يمد خدمته إلا أنه محاط بالنسبة إلى القضاة بضمانتين أساسيتين:

ضمانة جوهرية: ما تنص عليه قوانين تنظيم القضاء، من أن استقالة القاضي تعتبر مقبولة بمجرد تقديمها، وأنه لا تقدير لأي سلطة في قبولها حرصاً على استقلال القاضي، وأنه إذا استشعر حرجاً ما من بقائه في منصبه في أي وقت فإنه يملك الاستقالة. ضمانه شكلية: وجوب الالتزام بنص الدستور الذي يقضي بضرورة أخذ رأي المجالس العليا للهيئات القضائية في مشروعات القوانين التي تنظيم شؤون القضاة.

وعتاب

واعتزازاً بالشراكة التي جمعتني وإياك والأخ الفاضل عبدالله النيباري يوم الغضب العربي في الندوة التي عقدتها جمعية الخريجين تضامنا مع ثورات الربيع العربي، والزمالة التي جمعتنا على صفحات "الجريدة، أستميحك عذراً في أن أعتب عليك، التهكم والسخرية برجال القضاء في صيغة السؤال الأول الذي شبهت فيه القاضي بالطفل الرضيع، فضلاً عما جاء في مقالك الأخير من أنه غير طبيعي وغير مفهوم بقاء القضاة في العمل حتى هذه السن.

"فما السبب يا ترى؟ هل هي دعوة للقضاة إلى ممارسة الرياضة والذهاب إلى "الجيم" من أجل الحفاظ على لياقتهم الجسدية والذهنية إلى سن الـ 70؟ أم أنه حرص من القضاة على تأمين مستقبلهم؟ أم أنهم لا يجدون مقهى خاصا بالمعاشات للقضاة؟ أم هو حرص على تحقيق العدالة وخدمة المواطن البسيط؟ ولا هو عند وخلاص"!

يقول المولى عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ". مع خالص تحياتي وتقديري.

back to top