تقرير اقتصادي : علة البورصة... أعمق من أجواء الحرب في المنطقة
ضعف ثقافة المستثمرين وقلة الأدوات الاستثمارية وشح الإنفاق على المشاريع
شهدت أسواق الأسهم العالمية خلال الأسبوع الماضي تراجعاً بسبب أجواء الحرب المرتقبة على سورية، مما انعكس بشكل حاد على أسواق الخليج، ومنها السوق الكويتي، الذي تكبد خلال يومين ما نسبته 3.65 في المئة. إلا ان اللافت في هذه التعاملات وما صاحبها من تراجعات حادة وصلت الى الحد الادنى في كثير من الاسهم نقطتان، اولاهما: سلوك المستثمرين غير المحترف، والثانية: النواقص المؤسسية التي تجعل السوق اكثر رسوخا في مواجهة اي ازمة عابرة؛ سياسية كانت ام اقتصادية.
فسلوك المستثمرين الذي يغلب عليه أصلاً الطابع الفردي المضاربي لا يعرف التنويع مثلا بين اسواق الاسهم والسلع، ففي الوقت الذي حققت فيه اسواق الاسهم تراجعات حادة كانت اسواق النفط والذهب تحقق كثيرا من المكاسب تصل في اليوم الواحد الى 2 في المئة، مما يعني ان فرص الربح غير مرتبطة فقط في بورصة الكويت او حتى اسواق المال، اذ ان اسواق السلع يمكن ان تعطي أداء أفضل من الأسهم إذا ما تمت قراءة الفرص بشكل جيد. وعند الحديث عن سلوك المستثمرين لابد من الحديث عن تركيز العديد من المتداولين على الأسهم محدودة الأداء التي تعيد إلى الأذهان جانباً من الأخطاء التي وقع فيها المتعاملون في كثير من الأحيان من حيث التركيز على أسهم شركات صغيرة محدودة الأصول عالية المغامرة متخمة بالديون مع عودة الإفراط في شراء الأسهم بالآجل، وهذا أسلوب فيه قدر عال من نسيان دروس الأزمة، وأهمها الابتعاد عن الأسهم الورقية الضعيفة الأصول او العائد، او أن الادارة الحسنة لم تكن كافية لتعلم البعض لأساسيات التداول والاستثمار، فخلال هذا العام شهدت مجموعة من الاسهم الخطيرة تعاملات قياسية ومضاربات عالية على مدى أسابيع متتالية، الأمر الذي يشير إلى أن هناك من لم يتعلم جيداً من دروس الأزمة المالية ومازال يرتكب نفس الأخطاء السابقة. على الصعيد المؤسسي، ثمة نواقص كثيرة في بورصة الكويت تجعل من التداول يجنح نحو الأداء الفردي اليومي مثل شح الأدوات المالية، فالسوق الكويتي حتى الآن لا يتعامل بالبيع على المكشوف أو الشراء المستقبلي، ووجود صانع سوق معترف فيه رسمياً يؤدي أعماله بشكل قانوني ليتدخل في حال حدوث اختلالات في أداء السهم ويكون هذا الصانع معتمداً ومعروفاً للجميع. الغائب أيضاً عن بورصتنا هو الدور الذي يفترض أن تلعبه إدارته في تسويق البورصة لدى المستثمرين الاجانب من حيث محاولة استقطاب أكبر سيولة ممكنة من الخارج وهو ما تفعله بورصات الامارات وقطر بشكل واضح فمن مهام أي بورصة التركيز على استقطاب الاموال من الخارج عبر تسويق الفرص المتاحة، فضلاً عن إدراج الشركات غير المحلية. ولعل مستوى التعاملات خلال الشهرين الماضيين والتي كانت اصلا شحيحة قبل إعلان موضوع الحرب على سورية ما هو إلا دليل على أن ازمة السوق أكبر من الحرب وان غياب الفرص والتنظيم والتسويق هي عوامل اثرت سلبا على جاذبية السوق الكويتي الذي فضل مستثمروه المضاربة بأسهم غير مأمونة لتحقيق عوائد مضاربية سريعة، وهو ما يفسر جانباً من التناقض في اداء المؤشرات السعرية والوزنية. وبالنظر الى اداء المؤشرات الثلاثة للبورصة نجد ان ازمات التداول مازالت طاغية على المشهد البورصوي فحتى منتصف هذا الشهر حقق المؤشر السعري نموا عن مستوى اغلاقه في نهاية العام الماضي بنسبة بلغت 36.36 في المئة، بينما بلغت نسبة نمو المؤشر الوزني منذ بداية العام الجاري 10.57 في المئةk في حين وصلت نسبة ارتفاع مؤشر كويت 15 الى 5.77 في المئة، مقارنة مع مستوى اغلاقه في نهاية 2012 . هذا التباين في الاداء بين المؤشرات يشير بشكل صريح الى ان السوق اظهر درجة عالية من الخداع في المكاسب، فالمؤشر السعري أصلا بحاجة الى اعادة هيكلة في مكوناته او الغائه كونه بات يعطي قراءات عن واقع السوق، خصوصا انه يمكن التحكم فيه من خلال تصعيد سهم واحد بالحد الاعلى كما صار يحدث مؤخرا وبصورة شبه يومية. كذلك البورصة كي تتمكن من التداول بشكل سليم لوجود بيئة استثمارية سليمة اصلا في البلد، اي تعزيز الإنفاق الحكومي الاستثماري، وهذا لا يعني مساعدة أو دعم الشركات المتعثرة أو الموقوفة لتسدد ديونها على حساب الموازنة العامة، بل الإنفاق على مشاريع البنية التحتية كي يتم تنشيط الدورة الاقتصادية، فعندما تطلق الحكومة المشاريع فسيرتبط هذا الأمر بحركة شاملة في القطاع المصرفي الذي سيتولى تمويلها، والقطاع العقاري الذي سينفذها، والصناعي الذي ستزيد مبيعاته، لاسيما في مجال المواد الإنشائية، وكذلك القطاعات الخدمية واللوجستية. إن الإنفاق على المشاريع بالإضافة الى أنه سينفذ اعمال بنية تحتية تحتاج إليها الدولة، فهو أيضاً سيحرك كثيرا من اسهم الشركات التشغيلية الجيدة في البورصة، والتي تأثرت أسعارها وأنشطتها بسبب الأزمة المالية العالمية، لا بسبب الإفراط في الديون أو العجز عن سداد الالتزامات. وحسب ميزانية عام 2012 - 2013 فإن المرصود للإنفاق الاستثماري بلغ 3.1 مليارات دينار من أصل 19.4 مليارات، أي ان الإنفاق الاستثماري يشكل 15.9 في المئة من إجمالي الإنفاق، وهي نسبة قليلة خليجياً، إذ يراوح الإنفاق الاستثماري خليجياً بين 18 و33 في المئة، إضافة إلى أن المبلغ المرصود للإنفاق الاستثماري لم يصرف منه إلا 64 في المئة فعلياً، مما يشير بشكل جلي إلى وجود أزمة حقيقية في الإنفاق والعقلية التي تديره. عندما تكون لدينا بيئة اقتصادية سليمة، وبورصة فيها من الأدوات والقرارات ما يخدم المستثمرين، إلى جانب وجود مستثمر محترف قادر على قراءة البيانات واتخاذ القرار المناسب عندها سيكون الأثر السياسي كالأزمات الداخلية أو الخارجية وقتياً ومحدوداً على المديين المتوسط والطويل.