"على واجهة المنزل المقابل كانت تنتصب واحدة من تلك الصور المكتوب عليها بأحرف بارزة "الأخ الكبير يراقبك"... أما وزارة "الحقيقة"، وهي عمارة عالية تلامس السحاب، فقد كان "باستطاعة ونستون أن يقرأ على الحائط الأبيض كتابة ذات أحرف كبيرة بارزة، هي شعار الحزب المؤلف من جمل ثلاث: الحرب هي السلام. الحرية هي العبودية، الجهل هو القوة...".

Ad

وزارة الحقيقة في رواية ١٩٨٤ لجورج أورويل هي وزارة الإعلام، ولم يكن العملاق أورويل يكتب فقط عن عالم خيالي في إنكلترا قبل ستين عاماً، بل كان يفكك طبيعة النظام الشمولي الاستبدادي، مثاله روسيا الستالينية ذلك الزمن، فهل استطال خيال أورويل ليقرر واقعنا الكويتي اليوم بعد مشروع قانون الإعلام الذي يحمل عنوان "الجهل هو القوة"؟ هو جهل المشروع الحكومي حين يتصور أن حكومة "الأخ الكبير" ستنهي كل صور المعارضة الفكرية بمثل هذا المشروع الجاهل!

"استعباط" عقول البشر يتجلى، أولاً، في مشروع القانون، وفي مقولة وزير إعلام وزارة الحقيقة الكويتية، ثانياً، في أن المشروع يهدف إلى تقرير الحريات في الدولة نقرأها ببجاحة المادة الثالثة من المشروع "... بأن حرية الصحافة والطباعة مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها هذا القانون..."، ثم تأتي تلك الشروط والأوضاع في ما بعد لتهزأ بكم وتضحك بكل صفاقة بأنه لا حرية ولا بطيخ في إمبراطورية شيوخنا، الله يحفظهم، فالمطبوع يشمل كل جملة مفيدة أو ضارة، وكل كلمة، وكل حرف "... وكل كتابة أو رسم أو صورة أو قول، سواء كان مجرداً أو مصاحباً لموسيقى أو غير ذلك من وسائل التعبير...!" (الفصل الأول) ماذا بقي يا ترى من وسائل التعبير لم يجرمها المشروع، حتى التجشؤ سهواً يشمله قانون حكومة الأخ الكبير.

لن أناقش في مقال محدود المكان مواد المشروع، التي يجب أن تفرز لها دراسة قانونية مستقلة، لكن لاحظوا أن مشروع الأخ الكبير، الذي يعرف ما لا نعرفه، ويرى ما لا نراه، ويدرك مصالحنا بأكثر منا، فهو "البابا والماما وكل حاجة بحياتي"، بعبارة فيروز الصغيرة في فصل درامي مع أنور وجدي، ليس في النهاية إلا معلماً من معالم العتمة المرعبة التي انتهجتها السلطة في تعاملها مع المعارضين، فقراءة هذا المشروع لا يجوز أن تتم بمعزل عما يدور اليوم من ملاحقات للمغردين ونواب سابقين، فضحوا بشجاعة مؤسسات الفساد في الدولة، ووقفوا ضد استفراد السلطة بتهميش إرادة الشعب.

مشروع قانون الإعلام الموحد ليس موجهاً للقنوات والصحف المشاغبة دون غيرها، ولا يهدف فقط إلى تكميم أفواه الشباب المغردين، مع فتح مكبرات الصوت إلى أعلاها للعجائز المطبلين الانتهازيين، وإنما يراد به ضرب كل يد صفقت لمسلم البراك وفيصل المسلم وأحمد السعدون، وغيرهم من رموز المعارضة، تريد حكومة الأخ الكبير أن تكمل وصايتها وهيمنتها على أفكار البشر، وهي تدرك أن غريمها اللدود هو الكلمة الحرة، هي تعلم أن خصمها العنيد هو حرية الضمير... ماذا يريد الأخ الكبير في النهاية بعد أن أضحت الدولة مثلثاً من الخواء والقمع؟! هل سيصمت الكويتيون على مهزلة مشروع قانون الإعلام، مكتفين بالندوات والمقالات، ولا شيء بعد ذلك... حتى يأتي اليوم الذي تجز فيه رقابهم على مذبح الأخ الكبير، لأن الحرية هي العبودية، ولأن الجهل هو القوة عند الأخ الكبير الذي يراقبنا بعين مشروع الإعلام، وهو الأخ العبيط الذي يقمع الأحلام.