الدبلوماسي الإنسان... حياة بذل وعطاء

نشر في 03-04-2013
آخر تحديث 03-04-2013 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي عقد في البلاد قبل أيام مؤتمر رؤساء البعثات الدبلوماسية الكويتية في الخارج، وقد أثار هذا الحدث شجوني، حيث كنت المنسق لمؤتمر رؤساء البعثات الدبلوماسية الذي عقد عام 1986، وكنت وقتها بدرجة مستشار في إدارة مكتب وكيل وزارة الخارجية الذي كان يتولاه الأخ الفاضل سليمان ماجد الشاهين الذي كان مثالاً لدماثة الخلق ودبلوماسية راقية، وكان يتولى الإدارة ولد "فريجنا" الأول بالمرقاب الأخ والصديق العزيز أحمد فهد الفهد مدير مكتب سمو الأمير حفظه الله ورعاه.

كان من ضمن فعاليات هذا المؤتمر حفل العشاء الذي أقامه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد الصباح الذي تفضل مشكوراً بدعوتنا مع عدد من الإخوة السفراء من الرعيل الأول.

فكل الشكر والتقدير له مع دعائنا له بالنجاح والتوفيق في تحقيق طموحاته للوصول بالدبلوماسية الكويتية إلى الآفاق التي يشار إليها بالبنان، وإعادة الدور الريادي لها في عالم الدبلوماسية التي كان يقودها عميد الدبلوماسية وشيخها سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.

وعلى شرف رؤساء البعثات أقام سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح حفظه الله حفل غداء حضره لفيف من رجالات الدولة وأعضاء مجلس الأمة وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في البلاد، وقد ألقى سموه كلمة كانت قمة في الروعة والمعاني، خرج فيها عن النص المكتوب ليخاطب القلوب بكلمات راقية، واختصر في دقائق معدودة سيرة حياة بذل وعطاء.

فبعد تخرجه من جامعة جنيف عام 1964 التحق للعمل بوفد دولة الكويت الدائم في نيويورك برتبة سكرتير ثالث، وكان يرأس الوفد وقتها الأستاذ الفاضل راشد عبدالعزيز الراشد.

عاد سموه بعدها إلى العمل في الوفد الدائم في جنيف، ومنها انتقل إلى العمل في طهران حيث رأس البعثة الدبلوماسية وتقلد منصب عمادة السلك الدبلوماسي في إيران في ذلك الوقت الذي كانت فيه إيران الشاهنشية تلعب دوراً محورياً ورقماً صعباً في التحالف الغربي.

وقد كان لي شرف الاستماع إلى بعض تلك الخبرات القيمة والذكريات الرائعة من سموه، حفظه الله، وذلك عند مرافقتي له في رحلة من أروع الرحلات استمرت أكثر من ثلاث ساعات من مدينة البتراء إلى مدينة عمان العاصمة، وذلك أثناء زيارته الرسمية إلى الأردن العزيز للمشاركة في حفل زفاف سمو الأمير حمزة بن الحسين ممثلاً لسمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه، وكان وقتها يشغل منصب وزير الديوان الأميري، وكان محل تقدير واحترام من ذلك الجمع الذي تجاوز المئات، والذي يعكس حجم الصداقات العالمية التي يحظى بها، والذي تمثل بحرص الملكات والملوك والأميرات والأمراء ورجال الدولة وشخصيات عالمية للسلام عليه والتحدث معه، مما أشعرني بالفخر والاعتزاز لمرافقتي لسموه، والتي أتاحت لي معرفته عن قرب وبشكل خاص في الجولة التي شملت العديد من المناطق في الأردن الشقيق مثل مدينة البتراء ومنطقة جرش والبحر الميت ومدينة العقبة. ولعل من أروع الصور الإنسانية لشخصية الشيخ ناصر المحمد الكرم ودماثة الخلق ورحابة الصدر وحبه الشديد لعمل الخير، وكم كان يشعر بالسعادة ورضا النفس عند قيامه برفع المعاناة عن أي إنسان وبشكل خاص الأطفال.

وأعتذر من سموه بأن أتحدث عن "بعض" أياديه البيضاء في عمل الخير الذي يحرص على عدم الحديث عنها، وكثيراً ما كان يردد "أخ يوسف أرجو عدم الإعلان عن ذلك"... فكانت مساهمته لا حدّ لها في توزيع طرود الخير الرمضانية على الأسر المحتاجة ليس في الأردن فقط، بل تجاوز ذلك إلى الضفة الغربية في فلسطين، كما كان لسموه مساهمة كبيرة في دعم دور الأيتام ورعايتهم.

هذا وقد كان لسموه دور مهم بتكوين كادر دبلوماسي والتوسع في فتح سفارات وبعثات في العديد من دول العالم غطت معظم المناطق الجغرافية؛ وذلك إيمانا منه بأن الكويت بحجمها الصغير أكثر ما تكون بحاجة إلى الانتشار وكسب الأصدقاء من كل دول العالم، ولعل ذلك اتضح جلياً أثناء الغزو والاحتلال العراقي الغاشم، فجابت الكثير من الوفود الكويتية العديد من دول العالم طلباً للتأييد والدعم، وما زالت تلك الصورة الرائعة راسخة في الأذهان، وذلك عندما ضجت قاعة الأمم المتحدة بالتصفيق ولمدة غير مسبوقة، ووقف ممثلو شعوب الدنيا احتراماً وتقديراً للكويت الحرة وللأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، بعد كلمته المؤثرة.

أشار سمو الشيخ ناصر المحمد في كلمته الرائعة إلى مقدار المعاناة التي يتعرض لها أعضاء السلك الدبلوماسي والإداري وحياة الغربة لعائلاتهم والكثير من المخاطر، ولا ننسى في هذا المجال شهيدي الواجب المرحوم نجيب الرفاعي والمرحوم مصطفى المرزوق، طيب الله ثراهما وأسكنهما فسيح جنانه.

ولنا هنا ملاحظة نتمنى أن تلقى الصدى الطيب، فقد تم تكريم القيادات في عدد من قطاعات الدولة، وتم منحهم مكافأة نهاية الخدمة، واستبعد من هذا التكريم السفراء المتقاعدون، ومن ناحية أخرى فقد نال أغلب السفراء أوسمة من الدول التي عملوا فيها... ولكن لم ينالوا هذا الشرف في بلادهم. ولنا هنا عتب صغير هو عتب المحب على وزارة الخارجية؛ ألم يكن بالإمكان تخصيص نصف ساعة من برنامج المؤتمر لتكريم السفراء المتقاعدين واستذكار دورهم المميز في تلك الفترة الحالكة عندما تعرضت بلادنا لغزو واحتلال غاشم، وانهارت مؤسسات الدولة، لكن راية الكويت الغالية استمرت عالية خفاقة فوق مقار السفارات والبعثات الدبلوماسية التي غدت خط المواجهة الأول في معركة التحرير والكرامة؟!

كل الشكر والتقدير لسمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح على دعوته الكريمة، مع دعائنا للمولى عز وجل أن يديم على سموه الصحة والعافية وطول العمر.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top