أخبرني أحد الأصدقاء القدامى أنه عندما كان وزيراً أصدر مجلس الوزراء في إحدى الجلسات  قراراً، ثم اكتشفوا لاحقاً أن ذات القرار كان قد أصدره نفس المجلس قبل أشهر، إذ يبدو أنهم لسبب أو لآخر نسوا أنهم أصدروه. وبناء على ذلك لا يمكن تفسير حل مجلسي أمة خلال أقل من سنة بحكم محكمة بسبب أخطاء إدارية إلا بالعجز الكامل عن الإدارة، والفشل المطلق في تدبير شؤون الدولة، والاستهتار العارم بالنتائج.

Ad

ثقافة الاستهتار الجمعي هي ثقافة سائدة منتشرة في المجتمع السياسي، مستفحلة في عقل الحكومة وعمودها الفقري، ولا نستثني وجود ذات الثقافة في أوساط ما يوصف بالمعارضة. والملاحظ أنه لا يوجد مخطئ في مسارنا السياسي، لا أحد يتحمل مسؤولية، الكل على حق، الكل ملائكة، بل لا يوجد شياطين بالمطلق. ولا أحد يملك فضيلة الاعتذار عن الدمار الذي حدث أو ربما جزء منه.

هل المشكلة صوت واحد أم أربعة أصوات؟ وهل المشكلة حكم المحكمة الدستورية؟ أم أنها مجرد تفاصيل، في حين أن المشكلة تكمن في استقرار الممارسة الديمقراطية على أسس دستورية سليمة، وهو ما ترفضه السلطة ولا ترغب فيه، وتحاول بوسائل عدة الإخلال بذلك الاستقرار؟

 وكانت المأساة في أن ما يسمى بالمعارضة وبدءاً من فبراير 2012 ارتكبت هي ذاتها مخالفات دستورية صارخة، كان أبرزها ما اشتهر باسم قانون إعدام المسيء، واندفاعهم إلى إصدار قانون يعدم فيه البشر كردة فعل على تويتة سيئة مرفوضة، وتواطأت بكل استهتار معها الحكومة، إلى أن رد سمو الأمير القانون، دون أن يعتذر أحد، بل مازال البعض يراه إنجازاً، ولم تشعر الحكومة بالخجل على مشاركتها في دعم قانون رده سمو الأمير لمخالفته الصريحة للدستور.

 ولدينا الكثير من الأمثلة على ذلك الاستهتار. فهل نحن في مدينة ملاهٍ أم دولة؟ ربما أسوأ من ذلك، ففي مدينة الملاهي يسار داخلها بألعابها، أما في وضعنا فالناس ومصائرهم ومستقبلهم هي الألعاب التي يتقاذفها السياسيون بكل صلف وغرور لا نهائي.

إن كنا سنستمر على هذا المنوال من الاستهتار، فلن ينقذنا حكم محكمة دستورية، ولكن البداية هي الاعتراف بالفشل المطلق، والبدء بالتركيز على احترام الدستور بحدوده الدنيا، وقبول ذلك من جميع الأطراف وعلى رأسها السلطة، والبناء على ذلك نحو مزيد من الحريات، وتأصيل العدالة الاجتماعية للجميع دون تمييز، وإلا فإن مآلنا إلى مزيد من التراجع والتردي، ولاحول ولاقوة إلا بالله.