يجب ألا تتعامل الولايات المتحدة مع إيران بسذاجة

نشر في 07-10-2013
آخر تحديث 07-10-2013 | 00:01
بينما تقترب الولايات المتحدة من محادثاتها مع إيران بشأن برنامجها النووي، يجب ألا تفترض أن إيران مستعدة للاستسلام، وعلاوة على ذلك، ستشكّل مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، التي تراجعت بسبب هفواتها في سورية، عنصراً مهماً في هذه المعادلة.
 نيويورك تايمز أعاد الاتفاق الدولي بشأن تدمير مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية الدبلوماسية إلى وسط مسرح السياسة الخارجية الأميركية. لكن تعزيز "الخط الأحمر" الأميركي في سورية ما هو إلا مقدّمة للتعاطي مع الخط الأشد احمراراً والأكثر أهمية: برنامج إيران النووي، ولا شك أن هجوم الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني، الساحر وادعاءه المرونة يميلان كفة الحل الدبلوماسي.

لكن الولايات المتحدة تكون ساذجة إن افترضت أن إيران ستفاوض من موقع ضعف، فعلى العكس، خرجت إيران من الربيع العربي وهي أفضل حالاً من خصومها في المنطقة، فضلاً عن أن الاضطرابات في حليفتها سورية قوّتها بدل أن تضعفها. تأملوا تصريحات روحاني التي ميزت إيران عن جيرانها العرب وأكّدت أنها في موقع فريد يتيح لها التفاوض بشأن حل.

خلال السنوات الخمس الماضية، ظنت الولايات المتحدة أن إيران لن ترضى بعقد صفقة نووية إلا إذا أضعفتها العقوبات الاقتصادية. ولا شك أن الاقتصاد الإيراني بات اليوم في حالة مزرية، مما يساهم في تعليل قرار القائد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، اختيار روحاني، مفاوض نووي سابق، ليكون المتحدث باسمه مع الغرب.

علاوة على ذلك، ازدادت طهران عزلة مع تأليب الطابع الطائفي للحرب في سورية الشعب السني بأغلبيته في هذا البلد ضد إيران الشيعية وعملائها: الحكومات في سورية ولبنان والعراق.

صحيح أن مرونة إيران الدبلوماسية تبدو جدية، ولكن يجب ألا نخالها استعداداً للاستسلام. لا تعتبر إيران أنها هُزمت، فلا يزال نظامها السياسي الأكثر ثباتًا وصلابة في المنطقة، كذلك تنعم بنوع من الاستقرار المتجدد، الذي تعزز في أعقاب انتخابات رئاسية خلت من العراقيل، فلم نشهد في طهران هذه السنة تظاهرات شبيهة بحركات الاحتجاج التي شلّت طهران عام 2009، القاهرة عام 2011، وإسطنبول في مطلع هذه السنة. كذلك تعرب حكومة روحاني بتحريرها سجناء سياسيين وتخفيفها القيود المفروضة على الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي عن مدى ثقتها بنفسها.

إذا استثنينا الغضب العربي، نلاحظ إجماعاً في المنطقة على أن دعم إيران الرئيس السوري بشار الأسد فاعل، ويؤكد هذا الإجماع ادعاء إيران أنها قوة إقليمية تتمتع بنفوذ واسع، فقد برهنت الأزمة السورية أن إيران اللاعب الإقليمي الوحيد القادر على إدارة حرب بنجاح في دولة أخرى، علماً أنها لا تملك أي حدود مشتركة مع هذه الدولة. مدّت طهران نظام الأسد بالمال والسلاح، وأرسلت المقاتلين إلى سورية، وشكّلت تحالفاً إقليميّاً مع حكومة العراق الشيعية وحزب الله اللبناني التابع لها هدفه مساعدة الأسد، صحيح أن الغرب يعتبر روسيا حليف الأسد الأهم، إلا أن إيران هي مَن يحمل حقّاً كل أوراق استمراره.

تحطم أمل أن تشكّل تركيا وحلفاء الولايات المتحدة العرب تحالفاً يعزل إيران، فقد انقسم هؤلاء الحلفاء بشأن مصر واليوم سورية. تتصارع المملكة العربية السعودية وقطر بشأن مَن يجب أن تدعما في سورية، كذلك تؤيد السعودية الجنرالات في مصر، الذين أطاحوا بالرئيس الإسلامي المنتخب ديمقراطيّاً، محمد مرسي، في شهر يوليو، ما أثار استياء تركيا التي تدعم مرسي والإخوان المسلمين الملاحقين اليوم. طوال عقود، اشترت ممالك الخليج العربي دعم الإخوان المسلمين، أما اليوم، فيتنافس الإسلاميون وحكام الخليج لنيل دعم العالم العربي السني، ما أتاح لإيران فرصا استراتيجية تسمح لها باستغلال دورها كوسيط في المنطقة.

لكن خصم إيران الأول يبقى الولايات المتحدة، إذ شكّل انسحاب أميركا من العراق وأفغانستان و"استدارتها" الاستراتيجية نحو آسيا أخباراً جيدة بالنسبة إلى طهران. علاوة على ذلك، تلقت مكانة الولايات المتحدة في المنطقة ضربة قوية مع قرار إدارة أوباما عدم تطبيق خطه الأحمر ضد استخدام سورية الأسلحة الكيماوية، فأتاح ذلك لحليف إيران الرئيس، روسيا، فرصة سمحت له بأن يؤدي دوراً أساسيّاً في الأمم المتحدة كوسيط دبلوماسي.

بعد محادثة أوباما الهاتفية التاريخية (إنما الوجيزة) مع روحاني، دفع الضغط الإسرائيلي الرئيس الأميركي إلى إعادة التأكيد، عقب اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه لن يستبعد اللجوء إلى القوة لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية. كذلك وصف نتنياهو روحاني في الأمم المتحدة بـ"ذئب في ثياب حمل".

خلاصة القول، بينما تقترب الولايات المتحدة من محادثاتها مع إيران بشأن برنامجها النووي، يجب ألا تفترض أن إيران مستعدة للاستسلام. علاوة على ذلك، ستشكّل مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، التي تراجعت بسبب هفواتها في سورية، عنصراً مهماً في هذه المعادلة.

ستجلس الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات مستندة إلى تهديد بالحرب عالي المصداقية، وستواجه دولة إيرانية تنعم باستقرار داخلي جديد وتستفيد من دورها الرئيس في سورية. هذه المرة الأولى التي لا يمكن أن ترتكز فيها المفاوضات بين الدولتين على تهديد إيران كي تخضع وتستسلم، بل على إقناعها بالتوصل إلى تسوية. ويتطلب هذا من الولايات المتحدة مقاربة تضاهي "المرونة البطولية" التي نادى بها آية الله خامنئي.

لا تتوقعوا صفقة كبيرة مع إيران في المستقبل القريب، بل رفع عقوبات محددة مقابل اتخاذ إيران خطوات ملموسة تبطئ برنامجها النووي وتفتحه أمام التدقيق الدولي، ولا شك أن هذه خطوة أولى جيدة قد تبني الثقة المتبادلة وتمنح الدبلوماسية الزخم الذي تحتاج إليه لتنجح.

back to top