• هل هناك علم اسمه علم النفس الإسلامي؟
1. نعم علم النفس الإسلامي من أوائل العلوم النفسية، فالرسالة المحمدية كان هدفها الأساسي خلق أجواء نفسية تؤمن بعدم التفرقة بين البشر، والقضاء على العنصرية النفسية، ورسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) قال: «جئت لأتمم مكارم الأخلاق»، لأن محاسن الأخلاق تتماشى مع الاستقرار النفسي، وتريح الضمير الإنساني، وتكبح جماح رغباته الشريرة، وتقضي على نتائجها وأدواتها مثل الحسد والحقد، إلى جانب أن القرآن الكريم قسم سلوكيات النفس إلى أقسام عدة، فقال تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» (الشمس: 7،8).• وما السمات التي وضعها الإسلام للنفس المسلمة؟الإسلام عني عناية كاملة بالنفس، فقد خاطب النفس البشرية في أكثر من موضع، بعدة أشياء حتى تصبح متسقة مع ذاتها، ولعل أهم هذه السمات الصدق والسماحة والإيمان بالقدر والأمانة والرحمة، والتعاون بين المسلمين، والقناعة والصبر وعدم الحزن على الماضي، والقناعة هي أفضل الخصال البشرية التي ألزم بها الإسلام النفس البشرية، لأنها تعالج العديد من الاضطرابات النفسية، فإذا تخلى المسلم عن هذه السمات عانى خللاً نفسياً كبيراً، لأن المسلم مفطور على فطرة الله، فحين تنحرف النفس يصبح المسلم قادراً على علاجها ذاتياً وبالتالي فإن سمات الشخصية المسلمة هي طوق نجاة للتخلص من الأزمات النفسية.• يعانى الكثيرون مما يُسمى بـ»الوسواس القهري» كيف عالج الإسلام هذا المرض؟تعتبر اضطرابات الوسواس القهري من الأمراض السلوكية العصبية، ويتميز هذا الاضطراب برغبة عارمة وقوية في السيطرة على المحيط الخارجي ووجود أفكار مكررة، لا يرغب فيها الشخص وتأتي رغماً عنه، حتى بعد محاولته إبعادها، ويعلم الشخص أن هذه الأفكار أفكاره، ويقوم بتكرار الفعل بصورة مبالغ فيها، وقد تؤدي إلى إضاعة وقته وخسارته معنوياً، ومثال ذلك أن نرى شخصاً مسلماً يقوم بتجديد وضوئه ثلاث أو أربع مرات ما بين الأذان والإقامة في المسجد، ظناً منه أنه أحدث، ولكن الفقه الإسلامي تطرق إلى هذا المرض، لتوسيع مفهوم الوسواس القهري عند المسلمين، وإن كان ما كتب في هذا الصدد من منظور فقهي بحت، لأن أغلب مصابي الوسواس عند المسلمين ترتبط لديهم هذه المسألة بالشعائر الدينية، مثل الوضوء والطهارة.• كيف تفسر تفاقم ظاهرة لجوء الكثير من المسلمين إلى الدجالين لعلاج مشكلاتهم النفسية؟مشهد لجوء الناس إلى المشعوذين والدجالين امتد إلى طبقات اجتماعية وتعليمية عالية، حتى وصل إلى أساتذة الجامعات وكبار المثقفين، وأحياناً قادة دول، ورغم ذلك يمكن وصف هذه الحالة بأنها عابرة لكل المستويات بشكل مثير للانتباه، وهذه الأمور تؤكد أن ثقافة الجن والشعوذة، لها صلة وثيقة بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للشخص، إذ تساهم حالة القهر النفسي والسياسي وأحياناً الديني في هذا الأمر، وخلق إحساس بالعجز، فلا يقدر الإنسان على التعبير عما بداخله، فتظهر لديه حالة «الهيستيريا» وتتحول المعاناة النفسية إلى معاناة بدنية فيما بعد، ويرجع ظهور هذه المشكلة إلى عصر ابن تيمية، وكانت تلك الفترة هي فترة هجوم التتار على البلاد الإسلامية، وأصيب الناس بالإحباط واليأس والقنوط من أن الأمة لن تستطيع الخروج من هذه الأزمة، فلجأ الناس وقتذاك إلى الغيبيات وتوارثها المسلمون فيما بعد، وعموماً تنشأ هذه الظواهر حين تختلط الثقافة الشعبية بالتفسيرات الدينية.• الإقبال على العيادات النفسية مازال قليلاً... لماذا في رأيك؟ثمة عدة مشكلات تعوق هذا التوجه، أبرزها يتعلق بالتركيبة النفسية للناس، وأيضاً التركيبة الاجتماعية التي لا تتحمل منهجية العلاج النفسي الحديث، حيث تعمل على إيقاظ الوعي بتحمل المسؤولية، ومن الأسباب أيضاً ما يخص الأطباء النفسيين المعالجين، وهو ميل العديد منهم إلى العلاج الكيميائي في كل الأوقات، وإهمال العلاج النفسي القائم على القواعد الثابتة، أو أن يكون العلاج النفسي من قبل الطبيب قائماً على علاجات بمفاهيم غربية، فالعلاج النفسي الإسلامي هو في هذه الحالة خير علاج لهذه الحالات، كما أن كثيراً من المعالجين النفسيين في عالمنا الإسلامي يصطدمون بالتركيبة النفسية للمجتمع، التي تُولي أمورها الروحية وأمور الآخرة أهمية كبيرة، وإذا راجعنا الأحاديث الصحيحة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، حول مسألة الجن فسنجد أن هذه النصوص كانت محدودة، وكانت بمثابة تحرير للعقل من كل الخرافات والأوهام، وأن النص الديني الصحيح ينقي العقول من تصور أن الجن قادر على كل شيء، وأنهم يتحكمون في مصائر البشر.• وماذا عن العلاج النفسي الجماعي من منظور إسلامي؟هو نوع من العلاج الديني، يعمل على ربط الشخص بربه من أجل ملء الفراغ الروحي داخل الإنسان، ويكون بيت الله «المسجد» هو ذلك المكان الذي يجتمع فيه الناس، ويكون الدرس أو الخطبة إحدى حلقات العلاج النفسي، من منظور إسلامي، فالمسجد هو مركز للنشاطات الروحية، ونحن بدورنا كأطباء نفسيين ننصح المريض بالذهاب إلى المسجد، والمداومة على الاستغفار، والدعاء والتهليل، كما أن المسجد هو المكان الوحيد الذي يتقبل المريض النفسي اللجوء إليه هرباً من ضغوط وأزمات المحيط الخارجي، وهذا النوع من العلاج حقق نتائج مبهرة، ولاقى إقبالا كبيراً من المرضى الذين يعانون الاضطرابات النفسية والسلوكية.
توابل - دين ودنيا
أستاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر د. محمد المهدي لـ الجريدة:
04-08-2013