الشباب أعظم ثروات العرب غير الناضبة، وما يستثمر في تربيتهم وتعليمهم وإعدادهم للمشاركة في صنع مستقبل بلادهم يعود بالنفع على مجتمعاتهم وزرع الثقة فيهم وتقوية انتمائهم وتوظيف طاقاتهم، والأهم كسبهم، الشباب طاقة خلاقة والأمم الرابحة هي التي تنجح في كسب شبابها وتوظيف طاقاتهم في خدمة مجتمعاتها، مشاريع التنمية لن تنجح إلا بكسب الشباب، ونحن لن ننجح في كسبهم إلا إذا كسبنا حماستهم وتأييدهم، وهم لن يتحمسوا ويؤيدوا إلا إذا اقتنعوا، ولن يقتنعوا إلا إذا شاركوا وتأكدوا من أن ثمرات التنمية تعود عليهم في ارتفاع مستوى معيشتهم وتقدم أوطانهم.

Ad

 ومن هنا فإننا بحاجة إلى استراتيجية عصرية لكسب الشباب، علينا إفساح المجال لهم للتعبير عن آرائهم بحرية وفتح المنابر الإعلامية والثقافية أمامهم، وينبغي الاستماع إلى طروحاتهم مهما بدت حالمة، وليس بالضرورة كل مطالبهم يمكن تحقيقها، لقد صبر شبابنا علينا طويلاً وهم يرون تعثر المشاريع التنموية العربية وسقوط الشعارات القومية والتي كانت حصيلتها استبداداً وفساداً وخراباً وتشويهاً للنفسية العربية.

 50 عاماً من البطالة في الإنتاج والسلوك والفكر، لم نقدم للعالم إنجازاً نافعاً بل كنا عالة عليه، عاش شبابنا وهم يشاهدون آباءهم يعذبون وتنتهك كراماتهم في سجون نظم رفعت شعارات العدالة والحرية، همشوا وأبعدوا وعانوا طويلاً ووجدوا أنفسهم أمام جدران صماء وخيارات مريرة: إما الهجرة بوسائل مشروعة وغير مشروعة إلى حيث الملاذ الآمن والمعيشة الكريمة وإما الانضمام إلى جماعات تجندهم في مشاريع انتحارية هروباً إلى عالم آخر أو الثورة على الأوضاع المحبطة وإزالة النظام القائم طلباً لغد أفضل.  لعل هذه المرارات المترسبة في وجدان وعقول الشباب العربي، هي المحرض الأعظم لاندفاعهم العارم في الشوراع والميادين يواجهون قوى النظام وبطشه بصدور عارية، فالموت نضالاً أكرم من الحياة بذلّة، نجحوا في إسقاط تلك الأنظمة لكنهم لم ينجحوا في إقامة بديل أفضل، انتهزت قوى أيديولوجية الفرصة، ونجحت في امتطاء حصان الربيع العربي، ووصلت إلى السلطة واستحوذت عليها وأبعدت الشباب وقمعت الثورة.

 وهكذا وجد الشباب أنفسهم مرة أخرى في وضع أسوأ، ولم يبق إلا حلم الهجرة مخرجاً: بعقد عمل أو عبر قوارب الموت في عرض المتوسط وصولاً إلى سواحل أوروبا، أو بالسعي إلى الزواج من أجنبية متقدمة في السن (أوروبية أو أميركية) تمنحه الجنسية والوظيفة والمعيشة الكريمة.

 نشرت "الحياة" اللندنية تقريراً لمراسلها من عمّان حول شباب يقضون الليل مع الشاشات بحثاً عن نساء أجنبيات كبيرات يرضين بالزواج منهم، يقول أحمد (30) عاماً محاولاً إقناع أميركية (40) عاماً عبر الشات بالزواج منه: إنها تمتلك بيتاً ووظيفة وستمنحه الجنسية ولا يهم عمرها، فقد ضاق بعيشته ويريد أن يعيش ما تبقى له في بحبوحة! ومثله يفعل الكثيرون، وطبقاً للمراسل: فإن "غوغل" رصد ما تبحث عنه الشعوب العربية فوجد أن 49 مليون عربي يبحثون عن كلمة (شات) و64 مليوناً يبحثون عن كلمة (فتاة) و17 مليوناً آخرين عن كلمة "زواج".

 ومصر التي وصل تعدادها 92 مليوناً، يحذر الخبراء من الانفجار السكاني فيها لكن التوجه السائد مع الإكثار من الإنجاب لأنه ثروة المستقبل وتحديده مؤامرة صهيونية أميركية، ولأن نظام مبارك اخترعه (فزاعة) للتغطية على فشله في التنمية، تزايدت معدلات هجرة الشباب المصري بعد الثورة إلى 30% وبخاصة بين شباب الأقباط نظراً لتدهور الأوضاع المعيشية وتصاعد نزعات الإقصاء ورفض الآخر.

 وطبقاً لمراسلة الحياة في القاهرة فإن الشباب تتنازعهم 3 اتجاهات: ميليشيات تابعة لتيارات دينية، ومجموعات تمارس العنف بديلاً للإقصاء (بلاك بلوك) وآخرون اتخذوا من الشتم أسلوباً في المحاورة، وعلى مستوى الفتيات فإنهن يتعرضن لتحرش ممنهج؛ جنسياً وسياسياً ودينياً.

 هذا عن الشباب العربي فماذا عن الشباب الخليجي؟ شبابنا في معظم دول المجلس ذات الرفاه الاقتصادي، لا يعاني بطالة معيشية ولا يتعرض لمهانة إنسانية، ينعم بخدمات مجانية، ويتمتع بآخر المنجزات الحضارية، ومن هنا فإنه لا يطالب بتغيير النظام القائم، لكنه كبقية شباب العالم المتحمس يطمح أن يرى بلاده في مصاف الدول المتقدمة في حسن النظام والالتزام بالقانون وتطبيق العدالة الشاملة، وتحقيق تكافؤ الفرص في المغانم والامتيازات والحصول على المناصب دون الاعتماد على الولاء العائلي أو القبلي أو الطائفي.

 يضيق الشباب بانتشار الفساد والمحسوبيات، ويتمنى مجالاً أوسع للمشاركة في صنع مستقبل بلاده، وهامشاً أعرض للتعبير عن آرائه، وتسريعاً أكبر لعمليات الإصلاح، الآن: لماذا علينا وضع خطة استراتيجية لكسب شبابنا كضرورة أمنية وطنية؟

 إن كسب الشباب ليس خياراً بل ضرورة وطنية ملحة، فالتحديات كبيرة، ومنها:

 1- الشباب هم المعيار لتوجه مستقبل مجتمعاتنا كما يقول وحيد عبدالمجيد: إذا أردت أن تستشرف اتجاهات التطور المستقبلي لأي بلد، فانظر إلى شبابه.

 2- حكمة الأجداد وتوجيهات الآباء لن تجدي في عالم اليوم، وشباب اليوم غير شباب الماضي، شباب اليوم يمتلكون سلاحاً معلوماتياً لم يعرفه شباب الأمس، إنه الجيل الرقمي بعوالمه اللامحدودة، وهم اليوم أكثر وعياً وإدراكاً بما يحصل في امتداد العالم الرحب وبشكل أسرع، من آبائهم وأجدادهم! ولذلك يمتلكون قوة معرفية وسياسية كبيرة، وعلى صانع القرار ألا يتجاهلهم.

 3- الشباب يشكلون القطاع الأكبر في التركيبة السكانية، والعالم العربي يشهد تزايداً هائلاً في عدد الشباب، ومن هم دون الـ30 عاماً يشكلون 70% من العالم العربي، ومعنى عدم توافر فرص العمل لهم، تحولهم إلى عنصر سلبي لا يشعر بالانتماء الوطني بل بالكراهية والعداء يسهل اصطيادهم والتغرير بهم.

 4- بعد انحسار وتراجع الدور الأميركي، فإن المنطقة تشهد فراغاً سياسياً تسعى جهتان لملئه: قوى إقليمية تريد فرض هيمنتها مستغلة شبابنا وجماعات عدمية نشطة تصطاد الشباب وتجندهم لمخططاتها الانتحارية. وبعد: انطلاقاً من هذه الأبعاد فإن دول مجلس التعاون تولي الشباب عناية خاصة، ولا أدل من أن الكويت ولأول مرة في تاريخها تنشئ وزارة لرعاية الشباب، كما تنظم مؤتمراً للشباب حضره سمو أمير الكويت واستمع إلى مطالب وتطلعات الشباب وتسلم وثيقتهم التي تضمنت 10 أولويات في مجالات مختلفة، قالت عنها صحيفة السياسة الكويتية: إنها تؤسس لشراكة الأجيال الصاعدة في صناعة القرار.

 وتأتي كلمة وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود، معبرة عن هذا التوجه الجاد في دعم الشباب، إذ أكد أن ثروة الكويت الحقيقية ليست النفط بل هي شبابنا الذي يشكل 60% من السكان.

 وفي دولة الإمارات كان لحضور الشيوخ حكام الإمارات، العرس الجماعي لمئة شاب ودعمهم، الأثر الإيجابي في نفوس الشباب، وفي دولة قطر نجد توجهاً متزايداً نحو دفع الشباب وتأهيلهم لتقلد مناصب المسؤولية في الدولة وإشراكهم في المجالات المختلفة. ختاماً: أتوقع أن يحظى المحور الشبابي بأهمية متزايدة في جدول أعمال القمة العربية الـ24 بالدوحة.

 * كاتب قطري