في مقالتي السابقة "الرياض... متى ترفعون الحصانة عن لبنان؟!"، تمنيت أن تقود المملكة العربية السعودية والدول الخليجية، المشاركة في اللجنة الوزارية العربية حول سورية، التي عقدت في القاهرة الخميس الماضي، بدلاً من الدوحة، البدء بمرحلة مواجهة الدور اللبناني المدمر في المنطقة، والذي ستكون نهايته في الخليج العربي، عندما يكتمل تمكن محور التطرف الإيراني من البصرة حتى الناقورة، لكن يبدو أن الحصانة الأميركية - الخليجية للبنان أقوى من أن ترفع رغم المخاطر الكبيرة التي يشكلها لبنان لنا كجيب متمرد على الأمن القومي العربي والخليجي تحديداً.

Ad

لبنان ذلك البلد الصغير الذي يتنفس بالدعم المالي والاستثماري الخليجي، يتنامى دوره الرسمي في قتل وتدمير أشقائنا السوريين بالدعم اللوجستي لنظام بشار، إضافة إلى ما يفعله حزب الله اللبناني من دعم بالرجال والمعدات، وهو ما يوضحه تقرير الاستخبارات الألماني الاتحادي (بي إن دي) ذو المهنية العالية، والذي نشره موقع شبيغل الأسبوع الماضي، إذ يقول ملخص عنه "... يعزو تقدّم قوات الأسد إلى نجاحها في استعادة طرق الإمدادات، ما سهل نقل الوقود اللازم للدبابات والمقاتلات الحربية". وهذا يفسّر انتشار قوات نظامية سورية على الطرق الرئيسية الموصلة إلى الحدود اللبنانية في الأشهر الأخيرة، وقوافل الوقود التي يقوم الجيش اللبناني بمواكبتها من "الزهراني" وغيرها حتى الحدود السورية. وهذا عدا دور حزب الله في تأمين مناطق مرور صهاريج الوقود إلى جيش الأسد.

هذا ما يفعله لبنان الرسمي وجيشه في الشعب السوري، الذي وعده الخليجيون خاصة بالدعم والحماية، لكن فعلياً فإن وقود الطائرة والدبابة التي تقصف الشعب السوري أطفالاً ونساءً وشيوخاً يأتي من لبنان الذي تملأ بنوكه الودائع الخليجية، وتمد اقتصاده بالأكسجين الصناديق الخليجية وتحويلات المغتربين اللبنانيين فيه، ولا تجرؤ عاصمة خليجية على أن تستدعي سفيراً لبنانياً لتحتج على ما يقوم به جيشه وتنظيماته المسلحة في سورية، فبالله عليكم أي عبثية نمارسها؟ وأي جريمة نقترفها بحق الإخوة السوريين بسكوتنا كعرب وخليجيين عن ذلك؟

اللعبة الأميركية معروفة بأن سورية هي أرض الاستنزاف لإيران وحزب الله، وثمنها دماء الشعب السوري، وواشنطن تعتقد أنه بعد أن يتم استنزاف حزب الله في سورية، وفي أقصى نقاط ضعفه ستنقض عليه تل أبيب لتقضي عليه أو يبقى ضمن دويلات مذهبية منفصلة ضعيفة تستطيع إسرائيل التعامل معها على حدة، وهي حسابات لا نعلم مدى نجاحها، فواشنطن عودتنا على سقوط خططها سابقاً، كما حدث في العراق وأفغانستان، وندفع نحن الآن كلفتها من أمننا الخليجي، فما الذي يدفعنا أن ننساق مجدداً في هذا المخطط ونستمر في منح لبنان هذه الحماية والحصانة المكلفة علينا، ولماذا لا نقطع دابر الشر، الذي يضرب الشعب السوري على الأرض اللبنانية نفسها، فمليون سني أو 700 ألف مسيحي لبناني ليسوا أغلى من 23 مليون سوري، وتيار المستقبل اللبناني لا يشكل شيئاً في أمننا الخليجي مقابل أهل الشام عصب أمننا القومي والإسلامي.

لذا نعيد مناشدة الرياض تحديداً وكل الدول الخليجية... أعيدوا حساباتكم واجعلوا لبنان يدفع ثمن ما يقوم به جيشه وبعض شعبه من ممارسات خطيرة، وليتحمل سنة ومسيحيي لبنان ثمن عودة السيادة، فلا شيء يتحقق مجاناً، ولن يتحقق لهم ذلك بخوض معركة مصيرية بالبيانات وبدماء الآخرين وعبر شاشة تلفزيون "المستقبل"، التي يخوضها ببرامج الطبخ والرقص، وشعب "القصير" السورية يقتل على بعد كيلومترات قليلة منه!