طرحت في مقال أمس، تحت هذا العنوان "نقطة نظام" عن تصويت مجلس الأمة برفض الطلب المقدم من وزير المالية بتأجيل نظر إسقاط فوائد القروض لمدة أسبوعين لما انطوى عليه هذا القرار من مخالفة أحكام المادة (76) من اللائحة الداخلية، والتي تنص على أن يجاب الوزير إلى طلبه دائماً، وأستكمل في هذا المقال المعطيات الأخرى، التي توجب احترام أحكام اللائحة الداخلية.

Ad

ثالثاً- احترام اللائحة الداخلية احترام للدستور:

واللائحة الداخلية لمجلس الأمة قد صدرت بالقانون رقم 112 لسنة 1963 بتفويض من الدستور فيما نصت عليه المادة (17) من أن يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت.

وقد قضت المحكمة الدستورية بأنه إذا كانت تلك اللائحة صادرة استنادا إلى ذلك التفويض الدستوري، فقد أضحت مكملة لأحكام الدستور في خصوص وظيفة المجلس التشريعية، وسائر صلاحياته الدستورية، وتغدو وثيقة ذات طبيعة دستورية تأخذ حكم القوانين الأساسية، وذلك في حدود التفويض الدستوري (طلب التفسير رقم 26 لسنة 1996).

ويغدو بذلك احترام أحكام اللائحة الداخلية احتراما للدستور ذاته.

رابعاً- احترم القانون الذي وضعته:

Soufre la loi que vous faites toi mêmeˆ، قاعدة من قواعد الفقه الفرنسي، هي جوهر مبدأ سيادة القانون، وهي الركيزة الأساسية للدولة القانونية، وهي تعني أن يخضع الحاكم قبل المحكوم للقانون، لأنه القدوة في الامتثال للقانون، والماء لا يسيل إلا من علٍ، وفي خضوع الحاكم للقانون قبل المحكوم، تطبيق رائع طبقته محكمة النقض المصرية من أكثر من نصف قرن، عندما ألزمت الحكومة بقانون، لم يكن قد نشر في الجريدة الرسمية، لأنه لا يجوز لها أن تعتذر بالجهل بالقانون وهي التي صنعته وأصدرته.

خامساً- احترام حقوق الأقلية:

وكما يقوم النظام الديمقراطي على احترام إرادة الأغلبية، أغلبية النواب الذين صوتوا لمصلحة قرار ما، فإن الاعتراف بحقوق الأقلية هو جوهر النظام الديمقراطي أيضاً، حقها في المشاركة في المناقشة والحوار حول كل موضوع مطروح على المجلس وصولاً إلى الحقيقة، وتحقيقاً لمصلحة عامة هي أولى بالاعتبار، من استعجال نظر موضوع والتصويت عليه، بقرار تصدره الأغلبية، قبل أن يستكمل الموضوع بحثه ودراسته من جميع جوانبه، وقد يكون فيما سوف تطرحه هذه الأقلية من آراء وأفكار، إذا أتيحت لها الفرصة لمثل هذا البحث ومثل هذه الدراسة، ما قد يغير وجه الرأي لدى الأغلبية التي تستعجل نظر الموضوع وتستعجل التصويت عليه. بل هو اعتراف بمشروعية تعدد الآراء، وأن أحداً لا يملك الحقيقة كاملة، وأن أحداً لا يملك الزعم بانفراده بقول الصواب، كما لا يملك مصادرة حق الآخرين في إبداء الرأي الآخر.

وهو ما يجسد الحكمة التي بنت عليها اللائحة الداخلية حظر مناقشة موضوع غير وارد على جدول الأعمال إلا استنثاءً للمسائل المستعجلة وبالشروط التي قررتها المادة (76) من اللائحة.

سادساً- المجلس سيد قراره:

وهي قاعدة جرى استخدامها في مجلس الشعب المصري، انحرافاً بسلطة المجلس التشريعية والرقابية، وهو ما أثار الحفيظة المهنية للدكتور أستاذ الجامعة رئيس المجلس الذي نبه الأعضاء، إلى المفهوم الصحيح لهذه القاعدة عندما بيّن للمجلس بجلسته المعقودة في 29/1/1991 المعنى القانوني لعبارة المجلس سيد قراره أو سيد لائحته، بأن معناها أنه صاحب اللائحة الذي يضعها ويعدلها، ولكن المجلس يحترم اللائحة التي وضعها، هو سيدها بمعنى أنه يستطيع أن يعدلها، وهو سيدها بمعنى أنه يحترم تطبيقها وليس سيد اللائحة بمعنى أنه يستطيع أن يخالفها.

سابعاً- القانون قواعد عامة ومجردة:

وأساس ذلك، أن من خصائص القانون، أنه قواعد عامة ومجردة وهي خصائص مستقرة في الضمير القانوني العالمي، تفرضها العدالة وتحقيق المساواة بين المخاطبين بأحكام القانون وتطبيقه على كافة الوقائع المتماثلة، بلا استثناء لم ينص عليه القانون، فقواعد القانون عامة بمعنى أنها تنطبق على جميع من يتوجه إليهم خطابها، وعلى كل الوقائع المتماثلة التي وضع القانون تنظيماً لها، وقواعد القانون قواعد مجردة، بمعنى أن القانون ينشئ منذ وجوده مركزاً أو وضعاً لا ينظر فيه إلى شخص بذاته أو واقعة بذاتها.