اعترض عدد من رموز وقيادات "إخوان الخليج" على تقديم دول الخليج الدعم المالي والاقتصادي لمصر "12 مليار دولار قروضاً وودائع ومشتقات نفطية" في ظل القيادة الجديدة التي أعقبت قيادة الإخوان، وانتقدوا حكومات بلادهم وأثاروا حملة إعلامية هدفها إثارة الرأي العام الخليجي للإيحاء بأن المعارضة لهذا لدعم ليس من الإخوان فحسب، بل من الرأي العام الخليجي.

Ad

 وكان "إخوان الكويت" هم المتزعمون لهذه الحملات المعارضة على المستوى الخليجي، فانتقد النائب الأسبق وليد الطبطبائي مساعدة بلاده والمقدرة بـ4 مليارات دولار، لمصر بحجة أن الكويتي لا يجد سريراً في المستشفى، بحسب زعمه، وأن دعم حمص أولى من دعم عسكريي مصر، ودخل بعض مشايخ الإخوان على الخط وانتقدوا تقديم هذه المساعدات بحجة أنه بهذه الأموال يتم قتل المصريين المتظاهرين ضد الحكم الجديد!

 ونشط خطباء الإخوان من منصة "رابعة العدوية" معقل رباط الإخوان، وتباروا في الهجوم على الحكومات الخليجية التي قدمت تلك المساعدات، وحرضوا الرأي العام الخليجي ضد حكوماته، كما قاموا بتنظيم مسيرات أمام السفارتين السعودية والإماراتية للتعبير عن احتجاجهم على دعم الحكم الجديد، في المقابل هناك كتاب ومثقفون من القوميين واليساريين والناصريين الذين ينظرون إلى دول الخليج نظرة توجس وارتياب، ويرون أن هذه المساعدات هدفها التدخل في الشؤون الداخلية لمصر.

 يأتي هذا التصعيد الإعلامي لإخوان الخليج في إطار مساعيهم الحثيثة لحشد الجهود وبذل الإمكانات لنصرة إخوان مصر بعد فقدانهم السلطة، وقد وصل هذا التصعيد حد قيام بعض مشايخهم بإصدار فتاوى تحث المسلمين على المسارعة إلى نجدة إخوان مصر والاستشهاد في سبيل استعادة السلطة المسلوبة من جيش مصر وشعبها! ومن رحمة الله تعالى بمصر وأهلها، أن هذه الفتاوى لم تجد آذاناً صاغية في العالم العربي وذهبت أدراج الرياح، وإلا كانت سبباً في إزهاق أرواح آلاف الأبرياء، والحقيقة أن هذه الاعتراضات والفتاوى لا سند لها من عقل أو دين أو خلق.

فأولاً: تتناقض مواقف هؤلاء المعترضين على المساعدات الخليجية لمصر، اليوم، مع مواقفهم عندما كان الإخوان في الحكم، إذ كانوا هم الأنشط في الساحة لدعم مصر سياسياً واقتصادياً وفي جمع التبرعات، بل سارعوا إلى الذهاب لمصر لنصرة الإخوان سياسياً وإعلامياً عبر الخطب في مساجدها لكسب التأييد الشعبي لحكومة الإخوان، فكيف أصبح ما كان حلالاً ومأجوراً عليه في عهد مرسي، حراماً اليوم، وهدراً للأموال وسبباً في قتل المصريين؟! تساءلت النائبة الكويتية د.معصومة المبارك، مخاطبة الممتعضين من تقديم المساعدات الكويتية لمصر: هل لو قدمت في عهد مرسي، كنتم اعتبرتموها هدراً للمال العام؟!

  ثانياً: المساعدات الخليجية لمصر لدعم اقتصادها ومساندتها في اجتياز المرحلة الصعبة التي تمر بها، مستمرة منذ عهد الإخوان وإلى اليوم، سواءً من دولة قطر التي أرسلت مؤخراً ناقلة تحمل شحنة من الغاز الطبيعي، منحة لمصر، أو من بقية شقيقاتها في دول مجلس التعاون، ولم يعتبرها الشعب المصري تدخلاً في شؤونها الداخلية كما لم تثر من قبل أي حساسيات أو اعتراضات، انطلاقاً من أن هذه المساعدات تقدم لمصر كدولة وشعب وليس لفصيل سياسي حاكم، فما الجديد والطارئ الذي استفز هؤلاء المعترضين وجعلهم يحرضون على الحكومات الخليجية؟!

ثالثاً: مساعدة مصر على عبور أزمتها الاقتصادية والوقوف بجانب الشعب المصري في هذه المرحلة الانتقالية، واجب قومي وديني وأخلاقي، ومن المهم للشعوب العربية ودولها أن تدرك مسؤولياتها تجاه مصر وأن يسهم الجميع في عودة الاستقرار إليها وحمايتها من أي تدخل خارجي سياسياً أو عسكرياً، وفقاً للكاتب الإماراتي محمد الحمادي، المسؤولية القومية والدينية، تفرض على العرب والخليجيين المساهمة في تقديم الدعم اللازم لاستعادة مصر استقرارها وأمنها وموقعها، ومن الخطأ الجسيم، انتقاد الدعم الخليجي لمصر بحجة أن هناك أوجهاً للقصور أو الخلل في الأداء الحكومي الخليجي أو ربط الدعم بحكومة معينة في مصر.

رابعاً: مصر مركز ثقل العالم العربي وقلبه النابض، وهي أم الدنيا وأقدم بلادها وحامية العرب وفيها خير أجناد الأرض، والعرب والخليجيون على وعي تام بأن استقرار مصر استقرار لدولهم، وأن أمن مصر ممتد إلى أمنهم وأن قوة مصر قوة لهم، ومصر هي القوة الكبرى في الجسد العربي وبقوتها يقوى هذا الجسد وبضعفها يضعف الجسد العربي ويتطاول عليه شرقاً وغرباً، ومن وصية الملك عبدالعزيز آل سعود لأبنائه، وصيته بمصر "لأنها إذا مالت لا قدر الله مال معها العرب وإذا اعتدلت اعتدل حالهم" وعلى ذلك، فالخليجيون عندما يقفون مع مصر ويسارعون إلى دعمها اليوم فذلك يعود عليهم بالنفع، لأن دعم مصر "مصلحة خليجية بالدرجة الأولى" كما قلت في مقالة سابقة، ولأن الخليج سند سياسي واقتصادي وأمني لمصر، كما قال د.حازم الببلاوي رئيس الحكومة المصرية، ومن مصلحة العرب والخليجيين خاصة، مساندة مصر لاستعادة استقرارها وأمنها ودورها الحيوي في محيطها العربي والإفريقي والإسلامي، فهذا الدور هو الدور "الوازن" لمصالح العرب في مواجهة الأدوار الدولية والإقليمية المتنافسة في الساحة، وطبقاً لعبدالله بشارة، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بالكويت "منذ فتحت عيوننا، نصف مصر بأنها بلد العقلانية والاعتدال والوسطية، هذه العناصر الهامة في حياة مصر ترسخت عبر مفهوم شرعية الاعتدال منذ تثبيت حكم محمد علي... خروج مصر من شرعية الاعتدال دمرها وآذى جيرانها وخرب علاقاتها بالعرب، والفزعة الخليجية لمصر، اليوم، هي لتأمين اعتدالها والإسهام في تصويب مسارها" لقد كانت مصر وعلى الدوام "العمود الفقري" لمحور الاعتدال العربي و"الأزهر" الشريف منارة للوسطية في العالمين العربي والإسلامي، ودورها الإقليمي هو الدور الحامي لأمن العرب ومصالحهم، ومصر هي دعامة الاستقرار في المنطقة، وقد صدق شاعر النيل حافظ إبراهيم في رائعته "مصر تتحدث عن نفسها"، إذ يقول على لسانها:

 أنا إن قدر الإله مماتي... لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي

خامساً: إن لمصر ديناً مستحقاً في أعناق العرب عبر التاريخ وإلى اليوم، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو مكابر، يقول النائب الكويتي أحمد المليفي "لمصر دين في رقابنا والتخلي عنها، تخل عن أنفسنا، فالخمسينيات عندما لم يكن هناك نفط في الكويت، كان المعلمون المصريون يأتون لتدريس الآباء والأجداد على حساب الحكومة المصرية، كما أن موقفها في تحرير الكويت كان تاريخياً وقادت العالمين العربي والإسلامي في اتجاه تحرير بلدنا"، ويضيف النائب علي الراشد رئيس مجلس الأمة السابق "نسأل الله تعالى أن ينعم على مصر بنعمة الاستقرار فمصر قلب الأمة العربية وما يحدث فيها ينعكس علينا، والشعب المصري كان يرسل المدرسين إلى الكويت قبل النفط دون مقابل".

 ختاماً: إن هذا الدعم الخليجي لمصر هو أقل ما يمكن أن نرد به الجميل لمصر والمصريين.

 * كاتب قطري