ليس الأول من نوعه ولا الوحيد في المنطقة!
استضاف مسرح أبوظبي في منطقة كاسر الأمواج في إمارة أبوظبي مساء السبت الماضي، حفلة افتتاح الدورة الأولى لمهرجان أبوظبي الدولي لأفلام البيئة (20 ـ 25 أبريل 2013)، الذي استهل بفقرة عزف على العود للفنان العراقي نصير شمة بصحبة فريق بيت العود في أبوظبي، وليس باستعراضات أو تابلوهات، حسبما جرت العادة. كذلك تم الاستغناء عن السجادة الحمراء، التي يسير عليها الضيوف من النجوم وصانعي السينما، واستبدلت بسجادة خضراء صديقة للبيئة تعكس رسالة المهرجان، وبعدها اختتمت الحفلة بعرض فيلم الافتتاح «الأرض الموعودة».أمر طيب بالطبع أن تكتمل المساعي الحثيثة لإقامة مهرجان لأفلام البيئة في «أبو ظبي»، وتنجح إدارة المهرجان في استقطاب ما يقرب من 170 فيلماً من 42 دولة للعرض في فعاليات المهرجان المختلفة، بينما يُعرض حوالي 50 فيلماً في المسابقة الدولية للأفلام الطويلة والمسابقة الدولية للأفلام القصيرة والمسابقة الخاصة للأفلام الإماراتية، تمثل 33 دولة، لكن الاحتفاء بإطلاق مهرجان أبوظبي الدولي الأول لأفلام البيئة، لا ينبغي أن يدفع القيَمون عليه إلى الترويج لمقولة بأنه المهرجان الأول في منطقة الشرق الأوسط لأفلام البيئة، فهو زعم غير صحيح، ويعني إقصاء مهرجانات أخرى في المنطقة، تبنت الفكرة النبيلة نفسها، وقطعت شوطاً كبيراً في مجال التأكيد على أهمية الحفاظ على البيئة ونشر ثقافتها، والتصدي للإخلالات الجسيمة التي تشوه البيئة، في ما يتعلق بقضايا التلوث والإسراف في استخدام الموارد الطبيعية التي تسهم في تدهور التنوع البيولوجي، وترجمة هذا الوعي إلى سلوك بيئي إيجابي.
يمكن القول إذاً إن مهرجان «أبوظبي لأفلام البيئة» هو آخر مولود سينمائي بين مهرجانات السينما العربية، لكن من الخطأ الفادح الترويج لمقولة إنه «الوحيد من نوعه في المنطقة»، حسبما تزعم إدارته، وينساق وراءها أصحاب الأقلام النقدية ممن تلقوا الدعوة لحضور دورته الأولى. فالتاريخ والسجلات، فضلاً عن الوثائق، تشهد لمهرجان العالم العربي للفيلم القصير، الذي عقد دورته الخامسة عشرة عام 2012 في مدينتي إفران وآزرو المغربيتين، بأنه صاحب السبق والريادة في تبني فكرة إقامة مهرجان لأفلام البيئة ينبه إلى خطورة تهديد البيئة والتحذير من التلوث، إضافة إلى توطيد علاقة السينما بالبيئة وزيادة التفاعل بين هذه الصناعة الترفيهية وبين البيئة المحيطة. وكما ركز في دورته الرابعة عشرة على موضوع «سينما البيئة» ناقش في الدورة الخامسة عشرة محور «سينما البيئة والطاقة المتجددة»، ويُحسب أيضاً للمهرجان الدولي لفيلم البيئة، الذي تنظمه «جمعية الفن السابع»، وتحتضنه مدينة القيروان التونسية، وعقد دورته التاسعة في ديسمبر من العام الماضي، بأنه صاحب فضل في الدعوة إلى الاهتمام بالبيئة، وتكريس ثقافة التعريف بالجانب البيئي، وإذكاء الوعي الحسي به.الأمر نفسه ينطبق على «مهرجان النيل الدولي لأفلام البيئة»، الذي أقيم بدعم ورعاية وزارة الدولة لشؤون البيئة في مصر، وأقيمت دورته الأولى في الفترة من 5 إلى 10 يونيو من عام 2007، قبل أن يتوقف بعد دورته الثانية التي أقيمت عام 2008، ويومها قالت «جمعية الارتقاء بالذوق الفني وتنمية البيئة»، الذي تنظمه إنه «الأول من نوعه في الشرق الأوسط»، وتجاهلت، كما فعل مهرجان «أبو ظبي لأفلام البيئة»، ريادة مهرجان العالم العربي للفيلم القصير، في إقليم إفران المغربية، وأسبقية المهرجان الدولي لفيلم البيئة، الذي تحتضنه مدينة القيروان التونسية!لسنا ضد إقامة «مهرجان أبو ظبي لأفلام البيئة»، الذي يمثل خطوة إيجابية في مواجهة الكوارث المناخية الجسيمة التي تزلزل كوكب الأرض، نتيجة التغير المناخي وتفشي ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات الجذرية في الأوضاع السوسيوثقافية اقتصادية، والسعي الجاد إلى «تنشيط حركة سينمائية جادة تخدم البيئة، وتحافظ عليها، وتُسهم في تجميلها، ومعالجة قضاياها»، فضلاً عن «تشجيع المنتجين السينمائيين للاهتمام بدعم الموضوعات التي تخدم قضايا البيئة»، و»تحقيق الاحتكاك والتواصل بين العاملين في مجال حماية البيئة وبين السينمائيين للتعرف إلى مفردات شؤون البيئة، وصولاً إلى ابتكار سينما هادفة تخدم قضايا البيئة، وتحميها». ولكن كل ما نرجوه أن تتحلى إدارة «مهرجان أبو ظبي لأفلام البيئة» بشيء من التواضع، وتضع في اعتبارها ما أنجزته مهرجانات أخرى في المنطقة، أخلصت للبيئة وتبنت مبادرة الحفاظ على اللون الأخضر، وتكريس الوعي الإيجابي لدى الشعوب بالبيئة، واحتضنت فعاليات سينمائية تسعى إلى تأمين مستقبل أفضل للعالم، حتى لو لم تتوافر لها الموازنة الضخمة التي تهيأت لمهرجان أبو ظبي لأفلام البيئة، الذي يُحسب لإدارته اختيار التفرد، لكن كان عليها أن تُدرك بأنه ليس الأول من نوعه ولا الوحيد في المنطقة!