حققت {رباعيات} صلاح جاهين التي تصدى لتلحينها كاملة الشيخ سيد مكاوي نجاحاً غير عادي، فقد رددها الجميع في الشارع المصري، وبثتها الإذاعة  أكثر من مرة في اليوم. لكن التقييم الأهم جاء للشيخ سيد من ناقده الأول، زوجته السيدة زينات خليل، فحسها الفني العالي كفنانة تشكيلية، وذوقها الراقي في الاستماع، وشرح الشيخ سيد لها الدائم أدق تفاصيل التراكيب الموسيقية والألحان، ذلك كله مكنها من تقييم أعمال رفيق دربها بحنكة لا تتأتى لقطاع من نقاد الفن والموسيقى.

Ad

أيقن الشيخ سيد من نجاح تجربة «الرباعيات» بعدما أشادت بها السيدة زوجته، والتي كانت تردد مقاطع منها أمام الشيخ كلما سنحت الفرصة، وعندما دار بينهما الحوار حول ألحان «الرباعيات» تأكد من نجاحها قبل أن تبثها الإذاعة:

* الألحان دي زي بحور الشعر... أوزان. اسمعي كدا. دي بقى نغمة من السي... سي بي مول والمي برضه. خدي بالك من الفا... الفا دييز.

= فعلاً بحر ومحتاج سباح ماهر... وما فيش أمهر منك.

* دا بس علشان أنتِ بتحبيني.

= دا أكيد. بس صحيح دايماً باسمعك تقول إن اللحن دا حجاز ودا صبا. وكل ما أفتكر أسألك عن معنى الحاجات دي أنسى.

* شوفي يا ست الكل. الاسم دا اسم نغمة اللحن. والاسم هنا بيعتمد على «قفلة» اللحن، يعني ممكن ابتدي بنغمة... وأقفل بنغمة تانية. فالعبرة هنا بالقفلة مش بالبداية.

= للدرجة دي القفلة مهمة؟

* جداً. عندك مثلا زكريا أحمد الله يرحمه. اللحن بتاع «أنا في انتظارك» مقام حجاز من الـ «لا» بس لما تيجي تشوفي بقى تلاقيه ابتدى من الـ «دو»... وخدي بالك ممكن ييجي الحجاز من الـ «ريه» برضه... بس يبقى اسمه حاجة تانية. فتلاقي عندك «حجاز» و{حجاز كار»... و{حجاز كرد كارو» وهكذا...

= مش ممكن دا علم بحره واسع جداً.

* دا فرع واحد بس. عندك كمان الأرتام. اسمعي... دا مثلا سماعي... ودا بقى زرافات. ودي الواحدة... ودي الواحدة العادية... ودا المصمودي الصغير... ودا المصمودي الكبير.

= شهر واحد بس مع الأستاذ وهنافسه في السوق.

* دا يسعدني أوي يا تلميذتي.  

= أنا اللي سعيدة وفخورة أني زوجة أعظم موسيقار في الشرق.

* ياه... مش للدرجة. ما تنسيش أني موجود في عصر عبد الوهاب والسنباطي والقصبجي، وغيرهم، ودول كلهم موسيقيين كبار وعظام.

= أنا بقول رأيي مش بس باعتباري زوجتك. لكن باعتباري واحدة من جمهورك.

تكريم الدولة

جاءت كلمات رفيقة الدرب بمثابة تكريم من نوع خاص للشيخ «سيد»، على رحلة ليست طويلة، لكنها عريقة ثرية متنوعة، شعر بها كل جمهوره المصري والعربي، وشعر بدوره الوطني العظيم، سواء من خلال ما يقدمه من أغان وطنية منذ حريق القاهرة في يناير من العام 1952، ومساندته ثورة يوليو، مروراً بعدوان 1956، ومشاركته في معركة البناء والغناء للسد العالي، وليس انتهاءً بنكسة يونيو 1967، أو أعماله الوطنية من خلال «المجهود الحربي» فاستحق أن تكرمه الدولة، حيث قرر الزعيم جمال عبد الناصر تكريمه ومنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في «عيد العلم»، وهو نفس الوسام الذي سبق وحصل عليه صديقه التوأم صلاح جاهين في العام 1965.

دأبت الإذاعة المصرية خلال شهر رمضان على تقديم حلقات يومية بعنوان «المسحراتي» التي كتبها الشاعر فؤاد حداد منذ العام 1964، وكانت تعهد لأكثر من ملحن لتقديم هذه الحلقات، ومن الملحنين الذين شاركوا في تلحين المسحراتي: أحمد صدقي، وعبد العظيم عبد الحق، وكانت تقدم بصوتي الشيخ سيد، وهو غير سيد مكاوي، ومرسي الحريري، وكانا يرددان كلمات «المسحراتي» من أشعار فؤاد حداد بمصاحبة فرقة موسيقية.

فى شهر رمضان سنة 1388 هجرية... الموافق نوفمبر عام 1968 ميلادية أكمل الشاعر فؤاد حداد كتابة ثلاثين قصيدة جديدة من أشعار «المسحراتي»، غير أنه هذا العام طلب أن يشارك الشيخ سيد مكاوي، في تلحينها مع أحمد صدقي وعبد العظيم عبد الحق، غير أن الإذاعة رأت أن يقوم بتلحينها عشرة ملحنين للتنوع الموسيقي فيها، على أن يقوم كل ملحن بتقديم ثلاثة ألحان فقط على مدار الشهر، وبالتالي كان نصيب الشيخ سيد ثلاث حلقات من بين الثلاثين حلقة، غير أنه وضع شرطين مهمين لقبول الحلقات الثلاث:

- شروط إيه يا شيخ سيد... الحلقات وأنت عارف شكل تقديمها، وأجرك ومعروف ومافيش مشكلة فيه!

* أنا مابتكلمش عن أجر.. أولا ومع احترامي للأصوات اللي بتقدمها، سواء الشيخ سيد، أو مرسي الحريري، لكن أنا هقدم التلات حلقات بتوعي بصوتي أنا

= حلو أوي. بالعكس ياريت إحنا نتمنى.

* ممنون لك جداً... أما الشرط التاني. فهو أني هأقدمها بشكل جديد ومختلف، والشكل دا أنا المسؤول عنه قدامكم وقدام المستمعين... وحاسبوني عليه بعد إذاعة الحلقات لما تشوف رد الفعل.

= أيوا موافقين بس الشكل دا هيكون إيه.

* لما تسمعوه هتعرفوه.

المسحراتي

وافقت الإذاعة على شرطي الشيخ مكاوي، الذي اتجه إلى الإذاعة في اليوم المحدد للتسجيل ليس بصحبته فرقة موسيقية، أو حتى العود الذي تعود أن يصحبه معه في كل مكان، في يده حقيبة صغيرة فقط، وما أن شاهده المسؤولون في الإذاعة ومهندسو الأستوديو، حتى ارتسمت على وجوههم الدهشة، وقفزت عشرات الأسئلة من أعينهم، لكن ما إن دخل الشيخ سيد الأستوديو ووقف أمام الميكرفون، حتى زالت الأسئلة، لكن تضاعفت الدهشة وزاد العجب، فقد أخرج من حقيبته «طبلة» صغيرة، وبدأ يستخدمها عوضاً عن الفرقة الموسيقية.   

فاجأهم الشيخ سيد مكاوي بالاستغناء نهائياً عن الفرقة الموسيقية، وتقديم كلمات «المسحراتي» بلا موسيقى، حيث قام بتلحين الكلمات وتنغيمها، وتقديمها بمصاحبة هذه «الطبلة» المميزة لتلك الشخصية، ليضاهي بها شخصية «المسحراتي» الحقيقية التي تجوب الشوارع والحواري المصرية، عندما يمسك المسحراتي بالطبلة ويردد على نقرها بعض الكلمات والمدائح ليوقظ بها النائمين وقت «السحور» في ليالي رمضان، غير أن فؤاد حداد استخدم شخصية «المسحراتي» كرمز لمحاولة إيقاظ روح مصر، بعد نكسة 1967، والحث على تغيير الكثير من التقاليد والعادات التي تضعه في موضع «الغفلة»، فبدأ الشيخ سيد بحلقة «والله زمان» حول عودة رمضان وفضل نهر النيل على المصريين:

اصحَ يا نايم

وحد الدايم

وقول نويت

بكره إن حييت

الشهر صايم

والفجر قايم

اصحَ يا نايم

وحد الرزاق

رمضااااااان كررررريم

مسحراتي قولوا والله زمان

منقراتي وادي نقرة كمان

طوال السنة في حيكم هيمان

قولوا العوافي يللي قلبك وافي

من القوافي لما خدت الأمان

قلدت بحر النيل بلا استئذان

بين الشواطئ أمشي في الأحضان

وأضاحك الفجرية واسقي الغيظان

وأهدي الكباري نظرة الولهان

وأكسر خيالي في كل عود إنسان

وفي نيتي أكبر من الفيضان

الضي بعد الري من أسوان

عبرة حياتي وصنعة الفنان

معنى المروءة وزرع الاطمئنان

في كل مطرح لما ألاقي حنان

وألاقي قعدة تجمع الخلان

وألاقي نسمة من هوى الأوطان

وألاقي قمح جنب منه ريحان

وألاقي طيب: أفتكر رمضان

المشي طاب لي والدق على طبلي

ناس كانوا قبلي قالوا في الأمثال

الرجل تدب مطرح ما تحب

وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال

حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال

وكل شبر وحتة من بلدي حتة من كبدي حتة من موال

رمضان حبيب الندى بالعودة أيامه

أنا قلبي ياما نده على معنى أيامه

أذكر المؤمنين بالحق وصيامه

يا مصر يا جنة خضرا ويا رباط الخيل

وجب من الليل جهاد الفجر وقيامه

اصحَ يا نايم وحد الدايم

السعي للصوم خير من النوم

دي ليالي سمحة نجومها سبحة

اصحَ يانايم يا نايم اصحَ

وحد الرزاق...

رمضااااان كرررريم

****

ثم غنى حلقة بعنوان {الاستمارة}:

اصحَ يا نايم وحد الدايم وقول نويت بكرة إن حييت

الشهر صايم والفجر قايم... اصحَ يا نايم وحد الرزاق

رمضان كريم

مسحراتي منقراتي ع الطبلة أيدي ريشه ف دوايتي اسمع ياسيدي

اسمع حكايتي مع استمارة

والاستمارة راكبة حمارة أول ما راحت

راحت لحسني.. قالت ياحوستي هو أنت فاطر

قال كنت فاكر مش حأنسى تاني خليك مكاني

الاستمارة راكبة الحمارة راحت لفكري

قال تيجي باكر وتروح لزكري

قال روح لشاكر ولا لشكري شكري في أجازة راحت لبهجت

لا حط ماذا ولا سألها أشر نقلها راحت لهاني خليك مكاني

هاني الطاطوري قال في ما يبدو حتروح لعبده لازم ضروري

ضروري لازم راحت لحازم منه لتيفه شاغلاه لطيفة

منه لمكتب راجل مؤدب ببدلة بني قال لي أظني

في تاني أوده عند الموظف أبو بدلة سودا بدلة رصاصي

قال لا مؤاخذة مش اختصاصي يا سيدي لاظوغلي

خلص لي شغلي في تاني طرقة على شمالي لبدلة زرقا

شرحت حالي قال ثانية واحدة

والاستمارة

من يومها قاعدة راكبة الحمارة لو كنت راكب

ما كنتش أوصل ولا أؤدي واجب ولا أحصل وأطلع بلاشي

أحسن لي أفضل على مهلي ماشي

المشي طاب لي والدق على طبلي ناس كانوا قبلي قالوا في الأمثال

الرجل تدب مطرح ما تحب وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال

حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال

وكل شبر وحتة من بلدي حتة من كبدي حتة من موال

أنا صايم الشهر طول الشهر ودا فاطر

وأنا ماشي في الشغل قلبي سخن ودا فاتر

ما ينتقل شبر إلا بحبر ودفاتر اصحَ يا نايم وحد الدايم

السعي للصوم خير من النوم دي ليالي سمحة نجومها سبحة

اصحَ يا نايم يا نايم اصحَ وحد الرزاق

****

قدَّم سيد مكاوي ثلاث حلقات فقط مشاركة مع باقي الملحنين، وفور إذاعة الحلقات الثلاث بأسلوب سيد مكاوي حتى حققت نجاحاً منقطع النظير، ما حدا بالإذاعة في العام التالي 1969 إلى الاستغناء عن كل الملحنين المشاركين في ألحان «المسحراتي» وإسناد الثلاثين حلقة كاملة لسيد مكاوي.

من نور الخيال

بدأ سيد مكاوي في تقديم المسحراتي مع الشاعر فؤاد حداد بالأسلوب الذي اقترحه، بعد أن لاقت إعجاب الملايين، وهو أسلوب على بساطته الشديدة يعتبر بصمة فنية مهمة في الكلمات، ومحطة من المحطات «اللحنية» المتفردة في التراث الموسيقي الشرقي، غير أن التعاون مع فؤاد حداد لم يتوقف عند محطة «المسحراتي» على أهمية العمل وردود الأفعال الواسعة، حيث علم الشيخ سيد أن فؤاد حداد قد انتهى من كتابة ديوان جديد بعنوان «من نور الخيال وصنع الأجيال» الذي يحكي فيه تاريخ القاهرة في ألف عام، يصف فيها القاهرة العظيمة وما مر بها من أحداث عبر التاريخ، مشيراً إلى أن مصر أكبر من أي عدوان، وأكبر من أي غازي، حاول أن يجرب دخولها، وأن النكسة مجرد صفحة في التاريخ طواها الشعب، وأن النصر آت لا محالة.

سمع الشيخ سيد الديوان من فؤاد حداد في جلسة واحدة، فقرر فوراً وسط دهشة حداد، أن يقوم بتلحينه كاملا:

= الديوان بالكامل.

* أيوا يا فللي... إيه كتير عليّ.

= لا... بس دي جرأة كبيرة.

* طب وماله... ويبقى زي ما لحنت ديوان رباعيات جاهين. لحنت ديوان «نور الخيال» لفؤاد حداد.

= أنت عظيم يا أبو السيد.

* أهو أنت.

جاءت محطة «نور الخيال وصنع الأجيال» التي كتبها فؤاد حداد، مرحلة مهمة جداً في حياة كل من شارك فيها، سواء بالكلمات أو الألحان والغناء، بل والأهم في حياة الإذاعة المصرية، حيث كتبها فؤاد حداد في ثلاثين حلقة، واستقر الرأي أن يتم تقديم الحلقات من خلال إذاعة البرنامج العام، خلال شهر رمضان عام 1968، ويخرجها فتح الله الصفتي، وقام بالغناء والأداء الشعري سيد مكاوي، وشاركت في بعض الحلقات الفنانة الشابة سهير المرشدي في دور {الراوي} أيضاً، فضلاً عن أنه قدم من خلال الثلاثين حلقة كثيراً من الأصوات الجديدة والمواهب الشابة التي شاركته في الغناء مثل: ليلى جمال، زينب يونس، وجنات فريد، وعبد الحميد الشريف.

بدأ الشيخ سيد بمقدمة غنائية، أصبحت ثابتة في كل الحلقات، ثم بعدها يسرد الأحداث التاريخية، غناء وشعراً:

أول كلامي سلام

و تزققيني الكلام

أيام في حضنك أنام

القلب الأبيض هنا

يا مصر يا أمنا ...

وأطلع في نور الأدان

إذا دعا الوالدان

المدرسة والميدان

والإنسانية هنا

يا مصر يا أمنا

****

رأى فؤاد حداد والشيخ سيد أن تكون هناك بداية قوية، ليس فقط تتحدث عن عظمة تاريخ مصر، لكن تتحدث عن العرب ولغتهم؛ لغة القرآن الكريم، «العربية»، فكانت أغنية «الأرض بتتكلم عربي» التي كتبها فؤاد حداد ضمن الديوان، ولحنها وغناها الشيخ سيد، من مقام «رست» والتي قلب بها موازيين الأغنية الوطنية:

الأرض بتتكلم عربي

الأرض.. الأرض.. الأرض

الأرض بتتكلم عربي وقول الله

إن الفجر لمن صلاه

ماتطولش معاك الآه

الأرض... الأرض... الأرض

الأرض بتتكلم عربي

الأرض بتتكلم عربي ومن حطين

رد على قدس فلسطين

أصلك ميه وأصلك طين

الأرض... الأرض... الأرض

الأرض بتتكلم عربي

الأرض بتتكلم عربي بوجد وشوق

الفرع اللي يهم لفوق

لأجل الجذر يشم الضوء

الأرض... الأرض... الأرض

الأرض بتتكلم عربي

الأرض بتتكلم عربي ولا ترتاح

واصل كالسيل المجتاح

فتحك يا عبد الفتاح

الأرض... الأرض... الأرض

الأرض بتتكلم عربي

****

نجح البرنامج من حلقته الأولى، ونجحت الأغنية نجاحاً ساحقاً، واعتبر النقاد هذا العمل {من نور الخيال وصنع الأجيال} عملاً ملحمياً مليئاً بالتراكيب اللحنية الشيقة المعقدة، والمركبة في آن، واعتبروه مرجعاً مهماً لكل الملحنين الجدد للاستفادة منه في كيفية التسلسل اللحني وحسن النقلات الغنائية، والأهم أنهم أوصوا بأنه يجب أن يكون مرجعاً موسيقياً مهماً في مكتبة المعاهد والكليات الموسيقية.

تاريخ مصر

لم تكن حلقات «من نور الخيال وصنع الأجيال» قاصرة على سرد تاريخ مصر في ألف عام، من خلال الزمان والمكان، لكن الأهم هو الشخصيات التي أثرت في تاريخ مصر في المجالات كافة، في السياسة والاقتصاد والثقافة والفن، فخصص فؤاد حداد والشيخ سيد حلقة عن الأب الروحي للموسيقى الشرقية، الشيخ سيد درويش، وما قدمه للموسيقى، وغنائه لكل الطوائف والمهن، وما قام به من أعمال وطنية خلال ثورة 1919، موجها من خلاله تحية لكل من الشعراء العظام أحمد شوقي، وبيرم التونسي، وحافظ إبراهيم، والمفكر طه حسين، مناديا سيد درويش باسم التدليل له «عرب»:

ليه يا «عرب» تستبدل القفطان

عرب التفت على مهله واتبسّم

يا سنته نوارة الأوطان

خلى الكلام يحلى ويتقسم

يا سامعين أبناء بلد واحدة

تحت السما الواحدة عرب بيقول:

أيام تسعتاشر بتحيي الحي

وتخلي فنان البلد مسؤول

يا سامعين يا أهل الزمان الجاي

ليلكم منور في العزب والقرى

كان ياما كان من مبدأ الذاكرة

الشمس طالعة وصوتي مش سامعاه

حرمت أغني لها وأنا في الدرا

فتحت شباكي وقلبي معاه

وجبت ريح البحر للقاهرة

وطلقت حنجرة الفتاة والشاب

ورفعت فني إلى مقام الشعب

فني رجع للأصل بالطفرة

رجعت لي مصر بقوة الثورة

الثورة ضاربة في صميمي جدور

أغنية أمنية قدر مقدور

الحدادين نافخين معاي الكور

والخبازين قايدين معاي الفرن

أخبز لكل الناس عشا وفطور

والفلاحين ماليين معاي الجرن

داقين في قلبي السبع والعصفور

منورين المونة والمعجنة

كاتبين لى أيام الزمن والسنة

نسمة بنفسهم جاية متلحنة

وسؤال في ودني زي نبض النور

يا مصري يا سيد وأبوك درويش

النيل بيجري وألا مابيجريش

النيل بيجري والعجل بيدور

والفجر طالع بالصنايعية

ومصر لازم تبقى مصرية

وكل كلمة تقولها أغنية

وكل أمنية وأمل دستور

يا مصر يا مصرية كتر خيرك

طالقة على جناح الأمل طيرك

يا مصر راضية وربنا أعطاها

شوقى وبيرم والأديب طه

فيه ناس طوت أشجانها جوه الصدور

حافظ يناجى في الخيال والطيف

وبين عيونه زي ضربة سيف

وفي سكوته آهة المقهور

هاتى الآهات اللي ما تتأوهش

هاتى الآهات اللي ترج الوحش

وفي سجن الاستعمار تهد السور

عَلّي رقبتك زي جيش منصور

صبي علينا زي شمس الضهر

في الأرض ما تخليش خيال مكسور

يا مصر يا أول كتاب العصور

أنا أبوس أيديك الشريفة كل ما تولّد

سنين ورجالة تحيي الأرض وتخلد

أبوس أيديك لتسعتاشر وشيخ سيد

عرب التفت في هيئة الفنان

في عروته الوردة اللي بتفتح

قال كان بودي ألحن الجرنان

أخبار تجينا الصبح وتفرح

عرب اللي دايب من أمل وحنان

كل الشوارع تعرفه والدور

ألفين سلام مطرح ما عينه تدور

مشي في الجنينة اتقطفت له الزهور

قال كلنا نحب الوطن يا ولادي

أنا كنت بأحلم بالنهار دا الليلة دي

صبحت بلادي بلادي

وأنتوا المغنيين وأنا الجمهور

(البقية في الحلقة المقبلة)