مُغرمون بالتصنيف
«مواطنون، وافدون، بدون، سنة، شيعة، حضر، بدو...» كم نحن مغرمون بالتصنيف، طبعا ليس التصنيف بمعناه العلمي، أو بحسب ما تطرّق إليه أرسطو، وأخذه من بعده العلماء عبر العصور المتتالية، فمن هؤلاء العلماء من أفرد فيه مؤلفات بكاملها، مثلما نشهده لدى الفارابي عبر مؤلفه «إحصاء العلوم»، وهو المُدرج ضمن تصنيف العلوم، الذي برع فيه العرب، في العصور السابقة، وليس تصنيفا علميا للكائنات الحية، تُبنى عليه لاحقا علوم الطبيعة، والفيزياء.التصنيف الذي نشهده في الكويت، ليس له علاقة بما سبق، بل هو تصنيف يتعلّق بالبنية المجتمعية، ويتغلغل فيها إلى حد مخيف، تصنيف يضع أسسا أولية للفرز العنصري، الذي تخلت عنه الأمم المتحضرة منذ عشرات السنين، للأسف ذلك ما نشعره حين ننظر إلى بعض التشريعات التي تصدر عن وزارتي الصحة، والداخلية، لما يتعلّق بمعاملة الوافدين، أو من يُسمّون بالوافدين، جوازا، وهم أفراد قد يمضي على بقائهم في الكويت فترات تزيد على عشرين أو أربعين سنة، هؤلاء جميعا يحشرون في خانة «الوافدين»، التصنيف الذي «يُشرعن» للفئة الأخرى حق انتقاص هؤلاء أو التقليل من شأنهم، لا لشيء إلا لأن السلطة الرسمية تُطلق عليهم هذا المسمى، وقد تضعهم في خانة التصنيف المذكورة، بناء على خَلْق أفضلية «وهمية» لفئة المواطنين، تُرضي أو تشبع غرورهم بالتميّز، بغض النظر عما ينتجه هذا المواطن، للوطن، وللمجتمع الذي يعيش فيه.
يمكن ملاحظة أننا هنا لا نتحدث عن إمكانات علمية، أو إنتاجية صناعية، أو مهنية، تبنى على أساسها فئات التصنيف، نحن لا نتحدث عن صناعة، أو عامل ماهر متفان في وظيفته، نحن لا نتحدث عن أطباء مهرة، أو أساتذة جامعيين مبدعين قادرين على خلق تواصل خلاق بينهم، وبين التلاميذ، أساتذة يقدمون أبحاثا علمية مرموقة، وينتجون جيلا ماهرا، نحن لا نتحدث عن تصنيف في وزارة الصحة بحسب إنتاجية الأطباء والممرضين، والفنيين المهرة القادرين على التعامل بحرفية مع تلك الأجهزة التي تُشرى بملايين الدولارات، نحن لا نتحدث عن فئات هؤلاء ومكافأتهم، بل نتحدث عن مواطنين، ووافدين! وفي وزارة التربية والتعليم نحن لا نتحدث عن معلمين مهرة، وذوي إمكانات علمية، وموهبة فذة في إيصال المعلومة للتلاميذ، نحن لا نتحدث عن هؤلاء، برغم أن من بينهم مواطنون كثر، نحن لا نتحدث بمنطق هذا التصنيف حين يأتي الحديث عن «الزيادات، والكوادر» بخاصة، وهما الوصفتان السحريتان، لكسب الناخب، واللّعب بوجدان العامة والبسطاء، فالتصنيف الذي يتبادر إلى الذهن فورا هو «وافدون، مواطنون»، في عملية مُبرمجة للإقصاء، وقتل الكوادر، وتهجير المبدعين، ممن لا تنطبق عليهم هذه الوصفة السحرية لكلمة «مواطن».يغيب عن أذهاننا أن الخضوع لهذا النوع من التصنيف المجتمعي البغيض، يولّد، تصنيفات أخرى لا منتهية، تماما مثل اللجان التي تتفرّع في وزارات الدولة، ويخرج من رحمها لجان أخرى، أصغر، فأصغر، فأصغر... إلى ما لا نهاية. وتصنيف المواطنين، هو الآخر يتفرّع إلى فئات أصغر، مما يُذكي روح الطائفية، والفرز القبلي، والديني، بين من هم يتمتعون بصفة مواطن أنفسهم، يحدث ذلك برغم أن العودة إلى التاريخ القريب للمجتمع الكويتي قبل ستين أو سبعين عاما، لم يكن يعرف أفراده هذا التصنيف، فهو مجتمع قائم على السفر والتجارة، والترابط بين الناس، فما الذي ولّد هذه التصنيفات في الوقت الراهن، وروّج لها إعلاميا، ومجتمعيا بهذا الشكل المُريب.وأما الحديث عمّن يسمّون بالوافدين فهو مضحك حقا، إذ إن تصنيفات هؤلاء تتعدد، إلى حد يقارب عدد جنسياتهم، وافدون من أوطان مضطربة، وافدون من أوطان مستقرة، وافدون بأعين زرقاء، ومزايا مالية كبيرة، وآخرون من إفريقيا، لا بدّ من فحصهم «طبيا» في كل عام، قبل منحهم الإقامة، ووافدون خدم، (مادة عشرون) هؤلاء يعيشون تحت رحمة وزارة الداخلية، ووافدون في القطاع الخاص، ومهما يكن المؤهل الذي يحمله هؤلاء، يبقون تحت رحمة هذا التصنيف المؤسس على استعلاء «وهمي» لمجتمع غير منتج برمّته.