ما قل ودل: متى ينتهي الصراع بين القضاء والسطلة في مصر؟
تحية إلى هذا القضاءأثار الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بإلغاء القرار الجمهوري تعيين النائب العام الجديد المستشار طلعت العبدالله، خلفاً للنائب السابق د. عبدالمجيد محمود، أثار قلق مؤسسة الرئاسة في مصر، فقد هدد رئيس الجمهورية في خطاب ألقاه منذ أيام المعارضين بأنه سوف يحبسهم.
وعلى الفور أصدر النائب العام ما يزيد على مئة وخمسين قراراً بضبط وإحضار مجموعة من الناشطين السياسيين من إعلاميين وغيرهم، للتحقيق معهم في تهم مختلفة منها التحريض على العنف وعلى قلب نظام الحكم، إثر بلاغ قدمه أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ضدهم.وكان المستشار عبدالمجيد محمود قد تظلم من هذا القرار إلى الدائرة المختصة بمحكمة الاستئناف فأصدرت حكمها سالف الذكر.رفض قرارات النائب العاموكان كل النشطاء السياسيين، الذين صدرت أوامر بضبطهم وإحضارهم، قد رفضوا المثول أمام النائب العام، وارتدى بعضهم ملابس السجن الاحتياطي البيضاء، وذهب إلى النيابة العامة، ليمثل أمامها، رافضاً الإدلاء بأقواله، لعدم شرعية النائب العام فأمرت النيابة العامة بالإفراج عنه، ولم يكن حكم محكمة الاستئناف، بعزل النائب العام قد صدر بعد، أي أن قرار هؤلاء النشطاء السياسيين كان أسبق من الحكم.عزل النائب العام السابقوكان رئيس الجمهورية قد أصدر في 30 نوفمبر سنة 2012 إعلانا دستوريا، حدد فيه مدة تعيين النائب العام بأربع سنوات، مع سريان هذه المدة على من يشغل المنصب، وقت صدور الإعلان.وهو الإعلان الذي انطوى ضمناً على عزل النائب العام د.عبدالمجيد محمود، الذي كان قد مضى على شغله منصبه أكثر من أربع سنوات. تعيين نائب عام جديدكما تضمن الإعلان الدستوري تخويل رئيس الجمهورية سلطة تعيين النائب العام لمدة أربع سنوات، دون أن يقيد سلطة رئيس الجمهورية في ذلك بأي قيد سوى شرط السن بألا تقل سنه عن 40 سنة، وأن يشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء.وإعمالاً لأحكام هذا الإعلان أصدر رئيس الجمهورية قراراً جمهورياً بتعيين المستشار طلعت عبدالله نائباً عاماً.وقد اعترضت كل القوى السياسية على هذا القرار، ورفضت دعوة رئيس الجمهورية إلى الحوار، قبل إلغاء هذا الإعلان.وهو الحوار الذي استجاب له عدد من أنصار التيار الإسلامي، الذي خرج بإعلان جديد أصدره رئيس الجمهورية، في 9 ديسمبر ينص في مادته الأولى على أن يلغى الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21/11/2012، ويبقى ما ترتب عليه من آثار.كما نص في المادة الرابعة على أن "الإعلان الدستوري الجديد غير قابل للطعن".إعلان غير دستوريومع قناعتي ببطلان كافة الإعلانات الدستورية التي صدرت سواء من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو من رئيس الجمهورية، بعد الاستفتاء الذي جرى على تعديل دستور 1971، ذلك أن ملايين المصريين التي ذهبت إلى لجان الاستفتاء يوم السبت 19 مارس الماضي، والتي اصطفت صفوفاً متراصة تنتظر دورها، لتدلي بأصواتها بنعم أو لا، للتعديلات الدستورية، وإن الملايين التي لم يحالفها الحظ في الوصول إلى صناديق الاستفتاء، قبل إغلاق أبواب لجان الاستفتاء، في الساعة السابعة مساءً، فعادت أدراجها بعد ساعات طويلة من الانتظار، وأن ما أسفر عنه التصويت بنعم، على إقرار التعديلات الدستورية بنسبة 77.2 في المئة، ومعارضة 22.8 في المئة لهذه التعديلات، له دلالة أكبر من معناه الظاهر.فقد عبرت هذه الملايين عن إرادتها في رفض سقوط دستور 1971، بعد التعديلات التي وافق عليها الشعب في هذا الاستفتاء.إن دلالته الكبرى هي الفكر الثوري الذي عبرت عنه هذه الملايين، التي لم يسبق لها أن توجهت إلى صناديق الاستفتاء أو الانتخاب، فقد كانت في كل استفتاء أو انتخاب، تنتظر أمام التلفاز أو تنتظر جرائد الصباح، لتضحك على النتائج التي زيّفت إرادتها سواء في الحضور أو في التصويت دائما لمصلحة النظام الحاكم.ومن هنا فقد وقع هذا الإعلان الدستوري بعدوانه على استقلال القضاء وعزل أحد رجاله وتعيين نائب عام جديد متجاوزا سلطة المجلس الأعلى للقضاء في حومة مخالفة دستور 1971، فضلا عن الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس، بفرض شرعيته وهو ما سنتناوله تفصيلا في مقال قادم بإذن الله.