وجهة نظر: الاستثمار بين مطرقة الضريبة وسندان الاستقرار
لا شك في أن النسبة العالية لضريبة الدخل التصاعدية التي كانت تفرض على حصة الشريك الأجنبي في النشاط الاقتصادي المحلي قبل فبراير عام 2008 والتي كانت تصل الى 55 في المئة على قيمة متواضعة نسبيا من الدخل السنوي هي 375 ألف دينار، قد لعبت، مع غيرها من العوامل الطاردة للاستثمار في الاقتصاد الكويتي دورا كبيرا في ابتعاد المستثمر الأجنبي عن المجازفة بالاستثمار في السوق المحلي.وتظهر التقارير السنوية التي تنشرها منظمة مؤتمر التجارة والتنمية - الأونكتاد عن الاستثمار الأجنبي المباشر، أي الاستثمار في مشروعات وأصول حقيقية وليس عبر شراء الأسهم والأوراق المالية، ضآلة حصة الكويت من هذا الاستثمار الأجنبي المباشر. ويبين توزيع حصص بلدان مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة ما بين عام 2003 وعام 2011 أن المتوسط السنوي لحصة الكويت من اجمالي تدفقات هذا الاستثمار الداخلة الى هذه البلدان كان 8 أعشار النقطة أي أقل من 1 في المئة مما دفع بها الى المركز الأخير في قائمة دول المجلس في هذا المجال. وفي المقابل كانت الكويت خلال الفترة ذاتها من بين أهم ثلاث دول من الدول الأعضاء في مجلس التعاون في تصدير رؤوس الأموال المحلية الى الخارج.
ويتبين مقدار عجز الكويت عن جذب الاستثمارات الأجنبية مقارنة بدول المجلس الأخرى عند مقارنة حصتها الضئيلة أي ثمانية أعشار نقطة مع حصة أكثر دول المنطقة نشاطا في هذا الاتجاه وهي السعودية، التي بلغ متوسط نصيبها من التدفقات الداخلة من الاستثمار الأجنبي نحو 55 في المئة خلال فترة السنوات التسع ذاتها، أي بين عامي 2003 و2011، تلتها دولة الامارات بنسبة تزيد قليلا على 22 في المئة ثم قطر بنحو 10 في المئة والبحرين بنحو 7 في المئة وسلطنة عمان بنحو 6 في المئة.الوضع بعد خفض الضريبةولم تشهد حركة تدفقات الاستثمار الأجنبي الداخلة الى الكويت زيادة كبيرة بعد خفض معدل ضريبة الدخل على أرباح الشركات الأجنبية الى 15 في المئة، وان كانت هذه الحركة قد حققت تحسنا ضئيلا في حصتها النسبية من اجمالي تدفقات دول المجلس في عامي 2010 و2011، الا أن الوقت مازال مبكرا للتحقق مما اذا كان هناك اتجاه مغاير في قدرة الاقتصاد الكويتي على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، وهو استقطاب مهم للكويت بوصفها دولة نامية ذات حاجة ملحة للمعرفة والكفاءة والتكنولوجيا وفرص الأسواق التي يترافق تدفقها عادة مع تدفق الاستثمارات الأجنبية. ويبدو مستحقا التساؤل عن سبب عدم حدوث نقلة نوعية وأساسية في حجم الاستثمار الأجنبي الداخل الى الكويت بعد مرور 5 سنوات على تخلصها من قانونها المعيب لضريبة الدخل.ولاشك في أن العثور على اجابة لهذا السؤال ليس شاقا أو مضنيا على الاطلاق، اذ ان أمامنا سلة غنية متخمة بالعوامل والمسببات التي تبرر استمرار عزوف المستثمر الأجنبي بل والوطني عن الاستثمار في أنشطة اقتصادية حقيقية في الكويت.ويكفي لنا أن ننظر في هذا السياق الى أحد أهم هذه العوامل ألا وهو انعدام الاستقرار السياسي، الذي لا يمكن لأحد أن يقلل من أثره على حركة رأس المال الذي تنطبق عليه مقولة كارل ماركس التي تصفه بأنه جبان.ولعل أقرب مثال يؤكد ذلك ما حدث في البحرين التي تسببت اضطراباتها الأخيرة في تراجع متوسط نصيبها من الاستثمار الأجنبي المباشر من نحو 9 نقاط الى أقل من نقطتين في العامين الأخيرين. * أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت