حمام الدم في سورية يفضح إخفاق الغرب
يرتكز نظام الأسد على الأقلية العلوية، التي تُعتبر من طوائف الشيعة؛ لذلك يحظى بالدعم من دولة إيران الشيعية والميليشيا الشيعية اللبنانية «حزب الله».
يُظهر المؤتمران الصحافيان الباردان اللذان عقدهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع باراك أوباما وديفيد كاميرون بعض الأوجه الأساسية عن الشكل الجديد للنفوذ الخارجي في الشرق الأوسط، خصوصاً في سورية.إذا وضعنا كل عبارات الدبلوماسية المنمّقة جانباً، نقول باختصار إن جانب بوتين، أي جانب الحاكم السوري المستبد بشار الأسد، يفوز، في حين أن جانب أوباما وكاميرون، أي جانب الثوار السوريين، يخسر.
لا شك أن كل هذه التطورات تحمل دروساً قوية، مخيفة، ولا مفر منها عن القوة. يُعتبر الصراع السورية نسخة محلية من الكره السني-الشيعي المستعر في مختلف أرجاء الشرق الأوسط العربي، والذي يتخذ حيناً طابع الحرب ويبقى أحياناً جمراً تحت الرماد.يرتكز نظام الأسد على الأقلية العلوية، التي تُعتبر من طوائف الشيعة. لذلك يحظى بالدعم من دولة إيران الشيعية والميليشيا الشيعية اللبنانية (حزب الله).اعتُبر نظام الأسد غالباً علمانياً، لكن تحالفه القوي والعميق مع إيران و"حزب الله" يضع حدّاً لكل هذه التفاهات عن الأنظمة العربية العلمانية وعن رفضها مطلقاً التعاون مع الإسلاميين المتطرفين.في المقابل، تنتمي أغلبية سكان سورية إلى السنّة؛ لذلك يلقون الدعم من المملكة السعودية وقطر وغيرهما من الدول السنّية.تملك موسكو علاقات قديمة مع الأسد، وتُعَدّ سورية وسيلة التعبير الرئيسة عن النفوذ الاستراتيجي الروسي في الشرق الأوسط؛ لذلك تقدّم روسيا للأسد أسلحة عالية التقنية، خصوصا أنظمة دفاع جوي صاروخية. كذلك ترسل إيران الآلاف من حراس الثورة لمساندة الأسد، فضلاً عن مدّه بالنصائح الاستراتيجية والاستخباراتية. ويبعث "حزب الله" أيضاً بمئات أو حتى آلاف المقاتلين، ويعمل على تدريب قوات الأسد الرئيسة على قتال الشوارع.لا شك أن بوتين وإيران و"حزب الله" لا يأبهون البتة بانتهاكات الأسد لحقوق الإنسان، فقد لقي أكثر من 90 ألفًا حتفهم في حرب أهلية متأججة منذ سنتين، وتتعرض الأحياء المدنية لقصف عشوائي، ويبدو أن النظام اليوم يستخدم الأسلحة الكيماوية. طالب أوباما، كاميرون، والغرب عموماً منذ بداية الصراع السوري بضرورة رحيل الأسد كجزء من عملية انتقال السلطة الديمقراطية في سورية.لكن هذا الطلب لا يُعتبر مستبعداً بالكامل فحسب، بل يبدو أيضاً نابعاً من نموذج الوهم الليبرالي الغربي الذي لا أساس له من الصحة في واقع الثقافة السياسية في الشرق الأوسط العربي.تتجلى في أرجاء الشرق الأوسط المختلفة مقارنةً واحدةً جريئةً يراها الجميع. كان حسني مبارك في مصر حليفاً قديماً للولايات المتحدة، لكنه عانى كل أنواع الذل في انهيار لم يؤدِّ إلى ولادة دولة مصرية ليبرالية أو حتى ميالة للغرب، لكن الأسد حليف روسيا، إيران، و"حزب الله"، وقد وقفوا كلهم إلى جانبه خلال هذه الأزمة. فبات يتمتع اليوم بالقدرة على المنافسة، على أقل تقدير. لم تؤدِّ الأهداف الاستراتيجية الغربية في سورية إلى أي نتيجة، فيأبى الغرب التدخل، وهذا لسبب وجيه، فمن المؤكد أن تزويد الثوار بكميات من الأسلحة الثقيلة الفتاكة سيؤدي إلى سقوط بعضها بين أيدي الإسلاميين المتطرفين أو حتى عناصر من تنظيم "القاعدة".لا شك أن الغرب سيرتكب خطأ لا يُغتفر إن قدّم صواريخ مضادة للطائرات، مثلاً، للمعارضة السورية كي تستخدمها ضد قوات الأسد الجوية، وبدلاً من ذلك تقوم باستخدامها ضد طائرات ركاب إسرائيلية.لو كانت الولايات المتحدة تتمتع بثقة أكبر بالنفس لتدخلت في وقت أبكر وحاولت صوغ (أو على الأقل التأثير في) تركيبة القوات داخل المعارضة السورية، ولا شك أن هذه خطوة بالغة الخطورة، وما كنت لأوصي بها سابقاً ولن أنصح بها اليوم، لكنها تبقى السبيل الوحيد إلى ممارسة نفوذ حقيقي.علاوة على ذلك، تُظهر المعضلة السورية برمتها الوعود الكاذبة التي أحاطت بعملية ليبيا والتي دعت إلى بث الحياة في ما دُعي عقيدة مسؤولية الحماية. فلا تعود لهذه العقيدة قيمة عندما تظن القوى الكبرى أن مصالحها مهددة. وعلى غرار معظم عقائد الأمم المتحدة وقوانينها، لا تنطبق هذه إلا على الضعفاء.تشكّل سورية أول صراع في الشرق الأوسط تمتنع القوى الغربية عن التدخل فيه، لربما هذا المسار الأفضل بالنسبة إلى الغرب، إلا أنه يُعتبر مؤشراً إلى تراجع كبير في نفوذه.Greg Sheridan