تقييم الحراك والمشروع السياسي للمعارضة

نشر في 26-06-2013
آخر تحديث 26-06-2013 | 00:01
 د. بدر الديحاني بعد إبطال مجلس فبراير 2012 وتعديل الحكومة منفردة للنظام الانتخابي المتوافق عليه من قبل السلطتين عام 2006 تشكل اصطفاف سياسي وشعبي واسع رافض لعملية الانفراد بالقرار، ومطالب بإصلاحات سياسية وديمقراطية تخرجنا من الأزمة السياسية المتكررة منذ بداية العهد الدستوري، والتي ازدادت حدتها خلال الأعوام القليلة الماضية.

وبالطبع فإن هذا الاصطفاف السياسي والشعبي الواسع لم يكن كتلة صماء، فهو يجمع أطرافاً وعناصر مختلفة المشارب الفكرية والسياسية والاجتماعية، ومتباينة الآراء والتوجهات، لكنها متوافقة على قضية واحدة هي رفض الانفراد بالقرار، حيث إن ذلك يمثل تجاوزاً لمبدأ الفصل بين السلطات الأمر الذي يتعارض مع مرتكزات النظام الديمقراطي التي نص عليها الدستور، وقد اتضح للجميع أثناء مسيرات "كرامة وطن" بشكل واضح وجلي حجم هذا الاصطفاف السياسي والشعبي المعارض.

وحيث إن الحراك الشعبي المعارض يعمل ضمن ظروف ذاتية وموضوعية محددة مثل عدم إشهار العمل السياسي، وغياب السياسيين المحترفين، وانخفاض الوعي السياسي في المجتمع بشكل عام من جهة، والقمع والملاحقات السياسية والتشويه الإعلامي المنظم، وأحكام السجن التي تعرض لها شباب الحراك من جهة أخرى، فإن عملية التقييم الموضوعي للحراك تتطلب الأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة.

هنالك بلا شك أخطاء سياسية وميدانية يجب تلافيها على وجه السرعة بعد تشخيصها من قبل عناصر المعارضة وأطرافها المختلفة، والذي يختلف بطبيعة الحال عن الهجوم المنظم لقوى الفساد والقوى المعادية للإصلاح السياسي والديمقراطي، والذي يهدف إلى بث روح اليأس والإحباط وخيبة الأمل بين صفوف الشباب لا سيما أن درب الإصلاح والتغيير الديمقراطي  شاق وطويل، قد تتعرض خلاله قوى الإصلاح والتغيير إلى بعض الخسائر السياسية، ولكن تبقى المراهنة على التمسك بالمبادئ ومتابعة الطريق للوصول إلى الأهداف المرجوة.

وكما أن هناك أخطاء أدت إلى بعض الخسائر السياسية يجب الاعتراف بها ومعالجتها، فهناك أيضا نجاحات ومكاسب سياسية حققها الحراك الشعبي والشبابي يجب إبرازها وتشجيعها مثل تشكل حالة غضب شعبي واسع ومتنوع، وواقع سياسي جديد ترتب عليه، ضمن أمور أخرى بالطبع، ارتفاع الوعي السياسي بين أوساط الشباب، وهو ما دعا بعضهم إلى إعلان تنظيماته السياسية التي تطرح برامج إصلاحية وطنية طموحة تتمسك بالدولة الدستورية الديمقراطية، وتتجاوز الهويات الثانوية كالقبيلة والطائفة والعائلة والمنطقة، ناهيكم عن اكتساب الشباب مهارات ميدانية جديدة تتعلق بكيفية تنظيم التجمعات العامة، وإدارة الحملات الإعلامية وقيادة الاحتجاجات والمظاهرات والتعامل السياسي والحقوقي مع الملاحقات البوليسية.

وفي السياق ذاته، من المتوقع في أي لحظة حصول تبدل في مواقف بعض القوى السياسية والاجتماعية المكونة للحراك الشعبي، وهو شيء طبيعي يحصل في كل دول العالم، لكنه يتطلب إعادة الاصطفاف السياسي وطرح المعارضة لمشروع سياسي إصلاحي محدد وواضح بخطاب جديد، مضامينه وطنية جامعة وليس خطاباً انتخابياً فضفاضاً أو خطاباً فئوياً أو طائفياً.

 فالقضية التي نحن في صددها اليوم قضية وطنية تهم الجميع؛ لأنها تتعلق بمستقبل وطن لن يتمكن من تحقيق الاستقرار والتنمية ما لم تتم المحافظة على نظام الحكم الديمقراطي، ويبدأ العمل الجاد والفوري لتنفيذ عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي الجذري والشامل.

back to top