يعد موسم الأعياد والإجازات في نهاية العام فترة الأفكار الثمينة الكبرى التي لا تقتصر على الغذاء والبنود الاعتيادية اليومية. ويتيح هذا الموسم فرصة للناس للابتعاد والتخلي عن روتين الحياة اليومية والتفكبر في أشياء يمكنهم القيام بها بصورة مختلفة... وهو ما يشير إلى تساؤلات مهمة؛ هل أعماهم نقص الخيال والإبداع عن رؤية حلول بسيطة لمشكلاتهم؟ وهل في وسعهم عبر بذل القليل من الجهد فقط أن يجعلوا عام 2013 أفضل إلى حد كبير؟

Ad

بالنسبة لحكومات العالم الغني فإن الجواب: نعم. ونقدم نحن -هنا في "الإيكونوميست"- 3 طرق من أجل تحسين الثقة وزيادة النمو في عام ربما سيبدو قاتماً وكئيباً جداً لو عزفنا عن تبنيها. القراء العاديون لن يدهشهم أن يسمعوا أن تلك الطرق تشتمل على تحرير التجارة. وهذه الفكرة، في حقيقة الأمر، كنّا دوما نعود إليها وبوتيرة متكررة منذ تأسيس هذه المجلة في سنة 1843، بهدف معارضة "قانون حماية الذرة البريطاني". فالمكاسب التي يمكن نيلها من الدول الغنية عبر فتح حدودها أمام السلع والخدمات المتبادلة في ما بينها تبدو مغرية وجذابة... ثم إن العالم يبدو أقل تكاملاً مما يظن البعض، فيما توفر التجارة على الدوام فرصة أمام الديمقراطيات الليبرالية من أجل إعادة تأكيد دورها ومصداقيتها في توجيه العالم نحو الازدهار والرفاهية.

خيارات ومجازفات

من المتوقع حسب تقديرات صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاد الولايات المتحدة بنسبة تقارب الـ2 في المئة في سنة 2013، مع معدل لا يتجاوز 1 في المئة بشكل تقريبي في اليابان وبريطانيا، كما أن منطقة اليورو ستكون محظوظة إذا تمكنت من تحقيق قدر من النمو بصفة عامة. بمقدور صناع السياسة في تلك الاقتصادات القيام بالكثير من الأمور والإجراءات من أجل تحسين هذه التوقعات المتشائمة لما يمكن أن يحدث، غير أن معظم تلك الإجراءات تشتمل على خيارات غير محببة. قد يوفر المزيد من تحسين الأوضاع النقدية فرصة لتعزيز جهود التعافي، غير أن من شأن ذلك المجازفة بخلق فقاعة أصول. كما أن المزيد من التوسع المالي يمكن له أن يساعد في تحقيق نمو لكنه قد يثقل كاهل الحكومات بأعباء ديون إضافية.

على خلاف كل الحلول السابقة، فإن تبني نهج التجارة الأكثر تحرراً لا يشتمل على إنفاق أي أموال، ولا يتطلب أي شيء من الحكومات المشاركة سوى بذل القليل من الجهود والتحلي بقدر كبير من الجرأة السياسية. وحتى إذا قاومت بعض جماعات الضغط، مثل منظمات الفلاحين بشدة هذا التوجه، فإن المنافع الإجمالية التي ستعود على الاقتصاد عبر تقليص الحواجز- كالتعريفات الجمركية والمساعدات الممنوحة للمزارعين والإجراءات الحمائية التي تغلف الأسواق العالمية- ستكون كبيرة وواسعة النطاقة. سيصبح ذلك مصحوباً بارتفاع في أجور العمال، وهبوط في تكلفة الواردات من البضائع والخدمات، واتساع ملحوظ في أسواق المصدرين، وتحسن في الإنتاجية، وهو ما يشير إلى انتقال التأثيرات الإيجابية للتجارة الأكثر تحرراً إلى شتى قطاعات الاقتصاد.

الجولة المحتضرة

هناك فرص كبيرة على جبهات ثلاث طالما طالتها الانتقادات الحادة بسبب حواجزها وعقباتها التجارية، وهي: الشراكة عبر الباسيفيكي (TTP) الخاصة باتفاقية التجارة الحرة للبلدان المطلة على المحيط الهادئ؛ واتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ وسوق الخدمات الموحد فعلياً داخل القارة الأوروبية. فقد تحركت كل من المبادرات الثلاث في الآونة الأخيرة للخروج من وهم السياسة وتعقيداتها إلى الإطار العملي المتعقل نسبياً، بما يشير إلى إمكان حدوث تطور جاد خلال العام المقبل أو الذي يليه. كل واحدة من تلك المبادرات ستؤدي إلى تحسن الثقة وزيادة الانتعاش، كما أنها ستسهم مجتمعة في تغيير شكل العالم الغني وفرصه المستقبلية.

في ظل عالم مثالي، سيكون التوصل إلى اتفاقية تجارة عالمية واسعة النطاق لإزالة الحواجز والقيود التجارية أمام الجميع أفضل كثيراً من خفضها وفق أسس وقواعد ثنائية أو إقليمية. لكن في ظل أوضاع العالم الحقيقي فقد كانت آخر محادثات للتجارة العالمية قد اختتمت في "جولة الأوروغواي" سنة 1994، أما المحادثات التي أعقبتها "جولة الدوحة" فهي تنازع آلام الموت والاحتضار. وبدلاً من الرهان على حصان خاسر لا جدوى منه، فقد حان الوقت لتحقيق تقدم في بقاع أخرى تنشط فيها مفاوضات لتحرير التجارة بزخم وإصرار، وتلتقي فيها مصالح السياسيين وصناع القرار، وذلك على ضفاف المحيطين الهادئ والأطلسي.

القواعد الممتدة

تجري جهود الشراكة عبر المحيط الهادئ TTP بشكل جيد. وتشارك 11 دولة من البلدان المطلة على المحيط الهادئ في المفاوضات، بما في ذلك المكسيك وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وقد تنضم إلى هذه المجموعة في السنة المقبلة جمهورية كوريا الجنوبية. ومن هذا المنطلق أيضاً ربما تنضم اليابان إذا كان رئيس وزرائها الجديد شينزو آبي جاداً في تحسين إمكانات بلاده الاقتصادية. ومع انضمام كوريا الجنوبية واليابان، فإن الدول المشاركة في التجمع عبر المحيط الهادئ ستستحوذ على حوالي 30 في المئة من حجم التجارة العالمية للسلع والخدمات. وتتوافر لدى هذه الدول طموحات وتطلعات تتجاوز حدود خفض التعرفة، حيث إنها تستهدف وضع استراتيجية عامة طموحة وشاملة تتضمن قواعد أوسع نطاقاً من السياسات التجارية المشتركة الممتدة من اللوائح المنظمة للتجارة وصولاً إلى التنافسية. وتشير إحدى الدراسات إلى أن التوصل إلى اتفاق في هذا الصدد سيرفع الناتج المحلي الإجمالي لتلك المنطقة بأكثر من 1 في المئة.

الليبرالية العالمية

أما اتفاقية التجارة عبر الأطلسي فهي لاتزال مجرد فكرة، ورغم أنها حصلت على قوة دفع جلية من جانب السياسيين الأوروبيين، فإن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أبدت تأييداً حذراً لها. تنطوي تلك المنطقة على قدر وفير من القدرات والإمكانات، بهدف تبسيط أسواق العرض وزيادة الطاقة الإنتاجية من خلال التخلص من التعريفات الجمركية وتخفيف الأعباء المفروضة على الأنشطة التجارية، عبر تحقيق التناغم في المقاييس التنظيمية بحيث تنتفي الحاجة إلى إجراء اختبارات الأمان على السيارات والعقاقير الطبية الأوروبية المصدرة إلى أسواق الولايات المتحدة مرة ثانية مادامت اختبرت وأجيزت في أوروبا. وتشير دراسة تحليلية إلى أن مجرد إزالة التعريفات الجمركية بين الجانبين يمكن أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا بحوالي 0.4 في المئة ورفعه في الولايات المتحدة بنسبة 1 في المئة.

وإذا ما ساعدت تلك الاتفاقات في تحفيز النزعة نحو تحقيق ليبرالية عالمية أوسع نطاقاً، خصوصاً في الاقتصادات الناشئة الكبيرة السريعة النمو، فإنها ستولد مكاسب حقيقية هائلة. غير أن تلك المسألة لا يمكن التعويل عليها واعتبارها في حكم النتائج المسلم بها، ذلك لأن الشراكة عبر المحيط الهادئ والاتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤديا إلى تقسيم العالم إلى كتل إقليمية متنافسة تستبعد من خلالها الصين، بشكل خاص. لكن بوسعنا تفادي ذلك من خلال التشديد على تناغم الاتفاقين وانفتاحهما بشكل ميسر أمام الدول الأخرى. ويتعين أن يستند الاتفاقان إلى أسس متماثلة والعمل على تفادي الوصفات المقيدة غير الضرورية سواء بالنسبة لمراقبة تحركات رؤوس الأموال أو حقوق الملكية الفكرية، كما يجب أن يوفرا مجموعة من القواعد التي تحظى باستحسان الصين أو الهند.

استعادة الجاذبية

أما على صعيد الأسواق المحلية، فلا توجد مشكلة بالنسبة للصناعات الأميركية، التي يمكن للرئيس باراك أوباما أن يشرع في تحريرها بسهولة بإزالة الإجراءات الروتينية المعرقلة وغير الضرورية. غير أن الأمر يستلزم المزيد من الجهود بالنسبة لأوروبا والسوق الموحدة التي لاتزال تستبعد إلى حد كبير سوق الخدمات التي تشكل أكثر من 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك الجزء من العالم. وتتضمن الأشكال الجمركية، على سبيل المثال، الكثير من الرسوم الإدارية والأعباء التي يتم فرضها عى نحو 40 في المئة من السلع المشحونة بحراً ضمن بلدان الاتحاد الأوروبي. كما أن شركات الخطوط الحديدية في واحدة من دول الاتحاد الأوروبي لا تستطيع العمل في تقديم الخدمات المحلية في دولة أخرى داخل الاتحاد. ويمثل سوق التجارة الإلكترونية معضلة أخرى مثيرة للقلق: ومن الأسهل بالنسبة إلى الأوروبيين شراء سلع وبضائع من أسواق الولايات المتحدة عبر الإنترنت بقدر يفوق في سهولته الحصول على سلع مماثلة من دول مجاورة لهم في أوروبا. وتشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في دول الاتحاد الأوروبي قد يرتفع بنسبة 2.5 في المئة أو أكثر حسب كم الحواجز التي سيتم التغلب عليها وإزالتها. يعلم كل رجال السياسة ذلك ومعظمهم -في خارج فرنسا- يقدم نصائح شفهية تتضمن هذه الفكرة القائلة بتوسيع السوق الموحدة، بيد أنه قد حان الوقت الآن للانتقال إلى حيز التنفيذ العملي.

استطاع الغرب، بريادته للتجارة الأكثر تحرراً والأسواق المفتوحة، تعليم بقية دول العالم كيف يمكن تحقيق النمو. في الوقت الراهن الذي ترتبط فيه العولمة باتساع شرائح الطبقة المتوسطة في الدول الناشئة وفي بعض الدكتاتوريات المنغلقة، دعونا نجعل 2013 عاماً يستعيد فيه الغرب عقيدته وجاذبيته.