يقام هذه الأيام معرض الكتاب في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية، وهذا الحدث هو ثاني أبرز حدث ثقافي بعد الجنادرية في المملكة.

Ad

والحق أن هذه التظاهرة الثقافية شهدت تطورا نوعيا ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، على مستوى دور النشر المشاركة وعددها، وعلى مستوى التنظيم، وأيضا على مستوى الأنشطة الثقافية التي تقام على هامش المعرض، كما أن الزوار الذين يرتادون المعرض من مدينة الرياض وخارجها بل ومن خارج المملكة ازدادت أعدادهم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهذا تحديدا ما جعل بعض وكلاء الدين الباحثين عن «نجومية» ما يجدون في معرض الكتاب مسرحا مناسباً ومغريا لإظهار تلك النجومية وممارسة بطولاتهم أمام مرأى آلاف الزوار وعدسات الكاميرات الإعلامية، في محاولة منهم لسرق الأضواء من قبضة كلمة سكنت في ثنايا كتاب، منهم بعض الشباب المتحمس والذي يبحث له عن موطئ «لحية» في المشهد العام، أو حدث يضيفه إلى صحيفة سيرته الذاتية تزكّيه مستقبلا للعب دور أكبر، وربما أخطر في قادم الأيام.

ولا أشك أن ما أفرزه الربيع العربي لنا من اختطاف فاضح له من قبل التيار الديني سيكون دافعا إضافيا محرضا لحماس هؤلاء الشباب للقيام بدورهم الذي كلفهم به القدر في زعمهم للحفاظ على الدين، وحماية المجتمع من شرور أنفسهم، وشرر الكلمات التي قدّت من جمر.

هم لا يرون في ما يفعلون حرجاً، بل أعتقد أنهم يتعمدون إحراج الجهات الرسمية أمام الإعلام بممارستهم تلك، في محاولة للضغط عليها عن طريق إثارة الفوضى والشغب في هذه المحافل الثقافية، مع تسجيل بعض البطولات العبثية، ولا أظن أن هناك طريقة ناجعة لمنعهم من بهلوانيتهم سوى عدم الاكتراث بها، والتعامل مع فوضاهم فقط بحصارها، لأن المبالغة في التصدي لهم تمنحهم بطولة يحلمون بها، ويتغنون في ما بينهم بأمجادها.

البعض يرى أن مثل هذه الممارسات تسبب حرجاً لهم أمام الزوار من خارج المملكة، ويسيئون إلى الصورة الحضارية الجيدة التي يتمنون أن تترك في أذهان هؤلاء، بينما أنا على يقين أن هؤلاء أتوا من بلاد عربية لديهم متطرفيهم، ولديهم مثل ما لدينا من أناس تحاول اقتناص الضوء من أوسع أبوابه، ولا يدخرون فرصة إلا وينتهزونها لإثارة الفوضى لإثبات أنهم موجودون، فالفوضى هي الوحيدة الدالة على كينونتهم، والشغب هو الوحيد الذي يبقى من أثرهم، فلماذا الشعور بالحرج أمام الزوار طالما أن لديهم مثلما لدينا، وإن تفاوتت حدة المشهد من بلد الى آخر إلا أنه لا يفترض أن يستغرب أو ينكر.

لنقرّ أن هناك بيننا من ترعبه الثقافة المختلفة عن فكره، والتي لا تتماشى مع أيديولوجيته التي لُقّن بها، وأن هناك بيننا من يريد أن يحصر المجتمع برؤيته هو، ويرغب من جميع الناس أن يتبعوا ما يتبع، لا يحيدون عنه قيد نور، ولكن لا بد ألا يعطى هؤلاء أكثر من حجمهم، حتى لا يصدقوا فعلا أنهم قادرون على إرهابنا، وزعزعة يقيننا بالمعرفة.