نقولا الأسطا: لا يحقّ لملحم بركات «تخوين» الفنانين
أحدثت أغنيته الأخيرة «ما تغيّرت» علامة لافتة في مسيرته الفنية التي تميّزت بأعمال راقية إيقاعية كانت أو كلاسيكية، تراثية أو عصرية، وأثبت ألا تعارض بين تقديم النوعين، لأن ماهية الفنان وجوهره هما الأساس. إنه الفنان اللبناني نقولا الأسطا الذي يخوض مرحلة فنية متجددة ركيزتها أغنية حب كلاسيكية بعدما تبيّن له، كما لسواه، أن صوته الجبلي لا يخلو من رومنسية حالمة. عن نجاح أغنيته وأعماله الجديدة تحدث إلى «الجريدة».
ما سرّ نجاح أغنيتك «ما تغيّرت»؟
ساهمت عناصر عدّة في ذلك، أولها أنني لم أغنِّ كثيراً اللون الكلاسيكي رغم امتلاكي مقومات صوتية لازمة. ومع أن البعض يعتقد أن صوتي الجبلي لا يتناسب مع هذا الأداء الرومنسي، إلا أنني قدمت أغنية تشبهني، اكتشفت من خلالها قيمة فنّي، لذلك أفتخر بها خصوصاً أنها لا تشبه أي أغنية أخرى.أمّا العنصر الثاني فهو تميّز لحن بلال الزين وجماليته، فضلاً عن كلمات أحمد ماضي العاطفية الجميلة التي تحاكي القلب بعفوية وصدق.لكنك قدمت أغاني شعبية أيضاً.صحيح. قدّمت أغاني شعبية مثل «موضة جديدة» و{حقوق الرجال» التي اتُهمت فيها بتقليد أحدهم، مع العلم أنني لا أقلّد فن الآخرين، بل ابتكرت أغاني راقصة مختلفة عن السائد.أخبرنا عن كليب «ما تغيرت».صورته بإدارة المخرج جورج عبدو ومن إنتاجي الخاص (ميلوديا برودكشن)، سيبدأ عرضه قريباً حصرياً على شاشة محلية وفضائية على أن ينتشر بعدها على الشاشات المختلفة.ما الرابط بين دعم الأغنية في الإعلام، خصوصاً الإذاعات، وتحقيقها نجاحاً؟ثمة أغان ناجحة بمقوماتها الفنية وأخرى بفضل تكرار بثها عبر أثير الإذاعات، فتكون «ضاربة» ولكن ليس بالضرورة جميلة، ليصبح معيار نجاح الأغنية مرتبطاً للأسف بمدى تكرارها خلال النهار.ما الأولوية بالنسبة إليك؟تقديم أغنية ذات مستوى رفيع، فيكون الإعلام داعماً ثانوياً لها لتبقى ماثلة في الأذهان.ماذا عن تجربتك في هذا المجال؟لم أقدم خلال مسيرتي أي أغنية هابطة، بل كانت أعمالي المدعومة في الإعلام المرئي والمسموع والتي نالت جماهيرية، لائقة ولم تجرح بمضمونها مشاعر المستمع، ولم تمسّ أخلاق المشاهد ولم تثر اشمئزازه لأنني لم أستغلّ فيها المرأة.لماذا لم تنضم إلى شركة إنتاج عربية لتسهيل انتشارك فضائياً بدل تأسيس شركة إنتاج خاصة بك؟بعد تواصلي مع شركات إنتاج عربية، اكتشفت أنني سأصبح معها مسيّراً لأنها تمسك بالقرارات الفنية وتحدد لون الفنان الغنائي. بما أنني لم أعتد طرق الأبواب والمسايرة لتحقيق مصلحة شخصية، فضّلت التمسّك بحريتي على حساب انتشاري السريع عبر تأسيس شركتي الخاصة.شكّل الصوت في السابق معياراً لنجومية الفنان، فهل يختلف الأمر راهناً؟في إجابة متسرّعة أقول إن الصوت لم يعد يشكل أولوية، ولكن ما إن أراجع ذاتي خصوصاً بعد صدور أغنية «ما تغيرت»، المتكاملة في المستوى والأداء والصوت والكلمات والألحان والتنفيذ وإعجاب الناس بها، أجد أن الموهبة الصحيحة والصوت اللافت يتصدران الإعلان والإعلام، في حال تأمّن لهما دعم مادي متواضع لينالا حيزاً إذاعياً بسيطاً.لا ينقصك الشكل أو الصوت أو الموهبة، فما الذي يعرقل مسيرتك ويؤدي الى غيابك زمناً عن الساحة الفنية؟تحتّم طبيعة العمل الفني «النظيف» عليّ الغياب فترات ومن ثم الحضور. عندما لا أجد أغنية ملائمة لطرحها في السوق لا أفتعل مشكلة أو أطلق إشاعة ليتداول الإعلام باسمي. فضلا عن أنني لا أنتمي إلى شركة إنتاج معينة، لذلك لا أخضع لعملية بيع وشراء كأنني منتج يحتاج إلى تسويق.كيف تصف علاقتك بالجمهور العربي؟ لمست أخيراً اهتماماً بي، من خلال مقابلات صحافية أجرتها معي وسائل إعلام عربية وخليجية، ما جعلني أتساءل عن سر نجاح {ما تغيّرت} التي سلّطت الضوء عليّ.لماذا لا تغني باللهجتين المصرية والخليجية؟طرحت في ألبوم «أملي الوحيد» أغنية مصرية بعنوان «كانت حبيبتي» من كلمات زياد برجي وألحانه، لكنها لم تلقَ الدعم الإعلاني الكافي. كذلك قدمت في التسعينيات أغنية «أنا وأنت والشوق»، فضلا عن أغان بدوية، لكن الأغنية اللبنانية طغت على أعمالي.هل تسعى إلى إحياء حفلات غنائية في الخليج العربي؟قدمت حفلات للجالية اللبنانية في إمارة أبو ظبي وفي الكويت، ولدي مواعيد عدّة هناك في المستقبل القريب.هل تعتقد أن الأغنية اللبنانية حجزت موقعاً لها في الدول العربية؟دخلت الأغنية اللبنانية إلى المجتمع العربي وحجزت موقعها بفضل أصوات بعض الفنانين اللبنانيين الجميلة.ما رأيك باتهام الموسيقار ملحم بركات الفنان اللبناني الذي يغني بغير لهجته بأنه خائن؟لا يحقّ له اتخاذ هذا الموقف المتشدد، لأن لا هوية للفن ولأن الالتزام المطلق باللهجة المحلية ليس ضرورياً، خصوصاً أن بعض الفنانين اللبنانيين لا تليق به اللهجة اللبنانية فيما يتميّز بلهجة أخرى، لذلك على الفنان الغناء باللهجة التي تناسب خامة صوته والتنويع في أغانيه، مع الحفاظ على القومية الوطنية والثقافة الاجتماعية، فضلا عن دعم بعضنا البعض كلبنانيين في الإعلام.أنت عضو في مجلس نقابة الفنانين المحترفين، ألا يُفترض بهذه النقابة أن تؤدي دور الرقابة في الوسط الفني؟هذا الموضوع شائك وواسع ولا يجوز تحميل النقابة مسؤولية أكبر مما هي قادرة عليه. نركز في عملنا النقابي على تأمين الرعاية الصحية للفنان. أمّا في ما يتعلق بموضوع الرقابة، فيتوجب على الدولة منحنا الضوء الأخضر والتعاون معنا لمنع الغرباء الذين يدخلون بلادنا من إحياء حفلات فنية من دون تسديد الضرائب، فضلا عن منع أي غريب لا يملك ترخيصاً من دولته بإحياء حفلات في لبنان، واذا لم تساعدنا الدولة على ضبط الموضوع فسيستمر الفلتان الفنّي.الفن جزء من الوجوه الثقافية في البلد، فأي وجه نُصّدر إلى العالم العربي؟رغم أنني أعبّر عن الوجه الفني الجميل والمحترم، أعتقد أنه يجب توجيه هذا السؤال إلى مؤسسات إعلامية تزن برامجها الفنية بمقدار الإعلانات التي تؤمنها لها. لذا أدعو هذه المؤسسات الخاصة إلى رقابة ذاتية لتقديم الأفضل والتنافس على الصورة الأجمل والتميز، ليس من منطق الاختلاف لمجرد الاختلاف، بل من منطق التميّز بالمضمون النوعي.تخرجت في برنامج «استوديو الفن»، ما رأيك ببرامج الهواة التي تطلق الفنانين راهناً؟لا شك في أن الأسلوب اليوم مختلف، ولم يعد النجاح يقتصر على قرار لجنة التحكيم إنما على التصويت الذي يخضع لعملية تجارية. في «استوديو الفن»، تم تقويمنا على يد الراحلين الكبيرين زكي ناصيف ووليد غلمية وفنانين رواد وكبار، فيما المهمّ اليوم عملية التسويق التي تتم من خلال مشاركة وجوه معروفة في لجنة التحكيم لتأمين الإعلانات، من دون إيلاء أهمية لماهية المتباري الذي يتعرض على يد بعضهم للهزء أمام الجمهور، لذلك أتمنى على أعضاء هذه اللجان احترام الناس وعدم الاستهزاء بالكرامات.هل نستخلص من مواقفك أن الفن عملية تجارية صرف؟هكذا أصبح للأسف، ويتحمل الإعلام مسؤولية تصويره بهذه الطريقة، لأنه يسلّط الضوء على ممارسات فنية سواء في الإعلام أو في بعض الكليبات أو في بعض الكواليس، فضلا عن أن همّ الصحافة الوحيد «السبق الصحافي» ولو تحقق ذلك عبر الدخول إلى غرفة نوم الفنان. علام ستركز في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد نجاح أغنية «ما تغيّرت»؟حفزّتني الأغنية على تقديم نمط غنائي معيّن وحمّلتني مسؤولية مضاعفة وجعلتني انتقائياً أكثر، لذلك أعتبر أن المرحلة المقبلة ستشكل انطلاقة فنية مختلفة ستفاجئ الجمهور، مع التزامي بأعمال لائقة ولو جاء ذلك على حساب تحقيق ثروة، لأنني أريد أن يتذكرني الناس بعد رحيلي بفضل أرشيفي الجميل والمحترم.