تتوزع نصوص مجموعة {الضرورة الوحيدة} على 95 صفحة من القطع المتوسط، أخرجها فنياً خالد سليمان الناصري بينما حمل الغلاف صورة بورتريه الشاعر للمصور برونو إيرِّش، في حين احتوت الترجمة العربية على مقدمة للمترجم بعنوان {القصيدة شق في جدار الزمن}، يصف فيها لغة وأسلوب قصائد الشاعر وعضو الأكاديمية السويدية شَل أسبمارك، بأنها من القصائد القليلة التي تشد القارئ منذ سطرها الأول بلغة الحكاية البسيطة، وبحس إنساني رهيف، إلى فحواها موطدةً معه علاقة حميمة.

Ad

البساطة التي يكتب فيها شِل قصائده، يصفها جاسم ببساطة القصيدة التي تحمل في طياتها أبعاداً أخرى أبعد من معنى الكلمات المباشر، مستشهداً بقصيدة أسبمارك عن الناشطة الأميركية التي سحقتها الجرافات الإسرائيلية راشيل كوري كمثال على تلك البساطة التي تتعدى حدود الحدث المنفرد:

لقد توارى اسمي

 لكني أعتقد أني من واشنطن

 وكل ما أعلم أني كنت جاثيةً على ركبتي

 كدرع للمقهورين في رفح

 وحين تقدمت الجرافات الإسرائيلية نحوي

 تعالى مني دعاء للتعقل

 لكنه لم يبطئ ولو لحظة

 أحالني بقعةً في التاريخ

 بقعة عنيدة يدعكها قومي

 متذمراً مرة تلو الأخرى.

بدأ أسبمارك رحلته الشعرية مذ كان طالباً في جامعة ستوكهولم حين أصدر أول مجموعاته الشعرية عام 1956 بعنوان {مقتل بنجامين}، وتبعه بمجموعة {العالم من خال عين كاميرا} عام 1958، فيها برزت ملامح قصيدته الشعرية كقصيدة غير شخصية، كقصائد الشاعر الذي تأثر هو به ت.إس. اليوت. ثم صدرت مجموعته الثالثة {عالم مجهري} عام 1961 التي على رغم حفاوة النقاد بها، فإن خصائص الشاعر الشعرية أصبحت أكثر وضوحاً في المجموعة التي تلتها بعنوان {متأخراً في السويد} والتي ثبّت من خلالها مكانته المتقدمة في الصورة الشعرية السويدية كشاعر قصيدة التقمص أو التماهي.

بعدما أصبح بروفسوراً للأدب في جامعة ستوكهولم صدرت له ثلاث مجموعات أخرى: {محاولة لحياة 1979}، {إيماءة إلى أوروبا 1982}، و{العشاء السري 1984}. وفي نهاية الثمانينيات وحتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي أخذ نتاج الشاعر منحى آخر، إذ صدرت له سباعية روائية {زمن النسيان}، التي تعد إحدى أكثر الروايات السويدية عتمة وصرامة في تناولها المجتمع السويدي، مستفيداً من مراسه في كتابة قصيدة التقمص نراه يدعو أصواتاً من طبقات وفئات المجتمع كافة أن تتحدث عن رؤياها وتجاربها.

خلال تلك الأعوام صدرت له مجموعتان شعريتان {حين يعود الطريق} (1992)، و{الحياة الأخرى} (1998)، جاءتا كانطلاقة شعرية جديدة، لكن كنهها لا يبتعد كثيراً عن روحه الشعرية المعروفة بل هي استمرارية لما بدأه قبل عقود.

بالإضافة إلى نتاجه الأدبي تزخر حياته ببحوث عدة مهمة عن أدباء جيله وما قبله. لكن شعره يبقى الأهم على رغم قوله بأن الشعر شخبطات على حاشية التاريخ.

يُذكر أن القصائد التي احتواها كتاب {الضرورة الوحيدة}، كما يشير جاسم محمد، أختيرت بالتعاون بين المترجم والشاعر نفسه، وقد شملت مختارات من معظم دواوينه الصادرة حتى الآن.

برونو  ك.  أويرّ

كذلك صدر عن دار {نون} الكتاب الخامس من {سلسلة الشعر السويدي المترجم}، ثلاث مجموعات شعرية مترجمة إلى العربية للشاعر السويدي برونو ك. أويرّ حملت عناوين: {بينما السُّمُّ يسري}، {الكلمةُ الضالة}، {ضبابٌ من كلّ شيء}، ضمها كتاب واحد بالعربية أخرجه فنياً الشاعر والمصمم خالد سليمان الناصري، وتمتد قصائد الثلاثية على 304 صفحات من القطع المتوسط، ترجمها جاسم محمد، باستثناء الفصول الثلاثة الأولى من مجموعة {بينما السُّم يسري} فقد تَمّت ترجمتها بالمشاركة بين جاسم محمد وبين إبراهيم عبدالملك، وصدرت الفصول في كتاب مشترك {أنطولوجيا الشعر السويدي الحديث} والتي سبق أن صدرت عن دار {المدى} عام 2008.

ويشير جاسم محمد في مقدمة الكتاب إلى أن موضوعات القصائد تتوزع على أكثر من منحى، لكنها تحمل ثيمات إنسانية واضحة المعالم على رغم امتزاج الأسطورة بالواقع فيها، لتصفَ عالماً تتداعى فيه الصور على خلفية أخلاقية يعتبرُ فيها أن اغتصاب وتدمير الأرض هو انعكاس مباشر لتدمير أرض باطن الإنسان، وأن هذا التدمير الروحي اللامرئي هو الأكثر رعباً. مرعبٌ أيضاً هو العيش في مجتمع استبدلت فيه الشفقة والشعور بألم الآخر بالشماتة، ذلك المجتمع الذي فيه تُخنق الأصوات الأكثر جمالا وإنسانية.

برونو ك. أُويَّر شاعر رومانسي حديث لا يتردد عن طرح الأسئلة الكبيرة: الموت والحياة ورعبنا منهما، مصير الإنسان ووجوده، أسئلة طرحتها البشرية منذ بواكيرها وسيطرحها من سيأتون بعدنا... لكنه قبل كل شيء شاعر متوحد مع الطبيعة.