بعيداً عن السياسة... التسامح

نشر في 12-07-2013
آخر تحديث 12-07-2013 | 00:01
 د. محمد لطفـي "التسامح" صفة إنسانية يراها البعض فضيلة، فيسعى إلى التحلي والتمسك بها، ويراها آخرون غير ذلك فيرفضونها لأنهم يرونها عجزاً وقصوراً. والتسامح لغة: التساهل، واصطلاحاً: التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخر لضرر ألحقه بنا.

البعض يرفض استخدام لفظ التسامح مع الآخر المختلف معه بدعوى أن معناه أن الآخر (المتسامح معه) كان على خطأ أو أظهر انحرافاً أو شذوذاً، وهو ما لا يحق لك اعتباره، فلا يحق لك مثلا القول إنك تتسامح مع الآخر المختلف معك دينياً لأن ذلك يعني ضمنياً أنه على خطأ في عقيدته وهو ما لا يحق لك.

وكذلك الاختلاف الفكري لا يجوز معه استخدام لفظ التسامح، ففكره لا يمثل انحرافاً أو شذوذاً مهما كانت درجة اختلافه معك؛ لذلك فمن الطبيعي أن يقتصر مفهوم التسامح- كما أوضحنا في تعريفه- مع من تسبب لك في الضرر بأي درجة ما.

ومن هنا يمكن اعتبار حدود التسامح واسعة، فهي تشمل كل أنواع الإيذاء والألم النفسي والجسدي والشخصي والمجتمعي والديني والسياسي، والتسامح هنا يعني قبول الآخر بفكره ورأيه ومعتقداته دون لوم أو عتاب أو تجريح أو سباب.

يدعو الله سبحانه وتعالى المؤمنين للصفح والتسامح ويعدهم بالثواب والأجر الحسن، فيقول جل شأنه "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم"- (النور- 22)، ويقول سبحانه وتعالى "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"- (المائدة- 13)، ويطالبنا كذلك بالصبر على من يسيء إلينا وأن نتسامح معه "فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره"- (البقرة- 109)، وقال "فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون" (الزخرف- 89).

هناك الكثير من الحكم والأقوال التي تدعو إلى التسامح فيقول الفاروق عمر بن الخطاب "إذا سمعت كلمة تؤذيك فطأطئ لها حتى تتخطاك"، ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه"، وقال حكيم "العفو يصلح الكريم ويفسد اللئيم"، وقال آخر "أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة"، وقال أبو حيان التوحيدي "من عاشر الناس بالمحبة زاد استمتاعه معهم"، ولا ننسى ما قاله توشولسكي "التسامح هو الشك في أن الآخر قد يكون على حق".

ولا ينضب معين الشعر من التغني بفضل التسامح ونكتفي لضيق المساحة بقول الخليل بن أحمد:

سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب

وإن كثرت منه علي الجرائم

فما الناس إلا واحد من ثلاث

شريف ومشروف ومثلي مقاوم

فأما الذي فوقي فأعرف فضله

وأتبع فيه الحق والحق لازم

وأما الذي دوني فإن قال صنت

عن إجابته عرضي وإن لام لائم

وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا

تفضلت إن الفضل للحلم حاكم

ونختم بقول الشافعي:

قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم

إن الجواب لباب الشر مفتاح

فالعفو عن جاهل أو أحمق أدب

وفيه لصون العرض إصلاح

إن الأسود لتُخشى وهي صامتة

والكلب يُحثى ويرمى وهو نبّاح

***

- "إلى كل إنسان لا تجعل إساءة الآخر لك أكبر من قدرتك على التسامح معه"

- "أمس الأول بدأ شهر رمضان الكريم فكل عام وأنتم بخير ونسأل الله أن يتقبل من الجميع طاعتهم وعبادتهم وصالح أعمالهم... اللهم آمين".

back to top