قيل الكثير عن استطلاع مجلس الأمة لأولويات المواطنين واشتعل "تويتر" بتعليقات مؤيدة ومعارضة لأساس الفكرة، بعضها كان موضوعياً وبعضها كان من باب المناكفة السياسية، ومع أن نتائج الاستطلاع لم تأتِ بجديد لأن هموم الناس معروفة، فإني وجدتها وأساس فكرة الاستطلاع مثيرين للسخرية والشفقة والضحك، وشر البلية ما يضحك، وذلك لثلاثة أسباب:
أولاً، لأن المجلس يجب أن يقود الشعب لا العكس، وهذا يعني اتخاذ قرارات غير شعبية أحياناً للمصلحة العامة، فالناس بطبيعتها (خصوصاً معشر المترفين) تريد المزيد من العطايا والهبات غير آبهة بالمستقبل والأجيال القادمة، ولو افترضنا أن نتيجة الاستطلاع أظهرت رغبة الناس في المزيد من رفع الرواتب وإسقاط القروض، فهل كان المجلس سيلزم نفسه بها؟! وإذا كان الجواب بالنفي فلماذا تم الاستطلاع بالأساس خصوصاً أن النواب لديهم فكرة عن هموم الناس وأولوياتهم من خلال احتكاكهم المباشر بالناخبين؟ثانياً، الشعب يظن أن أولوياته هي الإسكان والصحة والتعليم، لكنه واهم لأنه يمكن الاستعاضة بكل هذه الأولويات بأولوية واحدة فقط هي كفيلة بحل بقية الأولويات.فالدراسات أثبتت أنه من المستحيل التقدم في الصحة والتعليم وبقية الأمور دون تحقيق العدالة والمساواة بين الناس، وهذه هي أساس العلل والمشاكل في البلد، فبالعدل والمساواة نستطيع ضمان حكومة إصلاحية تطبق القانون وتراعي حقوق الناس لا حقوق المتنفذين ويهمها تطوير العقول لا نفخ الجيوب، وتضع الرجل المناسب في المكان المناسب وتطبق القانون على الجميع وتفرض هيبته.لكن بدون العدل والمساواة لن تحل الأزمة الإسكانية بسبب رداءة الحكومة وعقم إجراءاتها، إضافة إلى مراعاتها لمصالح "هوامير" العقارات، ولن تتقدم الخدمات الصحية بسبب اتباعها نموذجاً إدارياً عقيماً نتج عن هيكلة حكومية عقيمة أكل عليها الدهر وشرب، إضافة إلى المحسوبيات في الترقيات والتعيينات.وبدون العدل والمساواة لا عجب أن يستمر التعليم في انحداره ما دام 80% ممن تمت ترقيتهم غير مؤهلين للمناصب التي تولوها، كما صرحت عبلة العيسى مديرة "مركز التنمية والتطوير" في وزارة التربية قبل يومين! لكن هل الشعب مستعد لدولة العدالة والمساواة والثواب والعقاب؟ بالطبع لا والنقطة التالية تبين لماذا.ثالثاً، الشعب غير صادق حتى في رغبته في حل الأزمة الإسكانية ومشاكل الصحة والتعليم لأن مخرجاته في الانتخابات لا توحي بذلك أبداً، فالحكومة انعكاس للمجلس والمجلس انعكاس لرغبات الشعب و"كيفما تكونوا يولى عليكم". وعندما تختار أغلبية الشعب نواباً على أسس طائفية وقبلية وعائلية ضاربة عرض الحائط بأسس الكفاءة والنزاهة فكيف يتوقع نفس هذا الشعب أن يحل هؤلاء النواب مشاكل تهم الوطن ككل لا فئة؟!وعندما يختار الشعب نواباً أغلبهم إما نواب معاملات وإما نواب عليهم شبهات مالية وإما نواب همهم إثارة النعرات الطائفية والقبلية، فهل يتوقع نفس الشعب أن تكون الحكومة إصلاحية وقادرة على حل مشاكل البلد المزمنة؟! أم تكون حكومة تحاكي واقع هؤلاء النواب والناخبين الذين أوصلوهم إلى كراسيهم، فتستمر في سياسة الترضيات والمحسوبيات والقفز على حقوق الآخرين ترضية لهذا النائب وقبيلته أو طائفته أو عائلته على حساب المصلحة العامة، وتشتري مواقف نواب آخرين عند التصويتات بخدمات هنا وهناك، وتعزز النفس الطائفي والقبلي البغيض في المجتمع ترضية لهذا المتطرف أو ذلك. كيف تريد إصلاحاً وحلاً لمشاكلك أيها الشعب وأنت تنتخب على أساس "تكفون أنا بوجيهكم"؟! وكيف تريد محاربة الفساد أيها الشعب وأنت تنتخب فاسدين بداعي "الفزعة"؟! وكيف تريد الكرامة وأنت تنتخب من يبيع كرامتك بأبخس الأثمان؟!أيها الشعب الذي يكذب... "استرح شوي وراجع نفسك واتعالج من إبر التخدير النفطية" التي أعمت بصيرتك، وتخلَّ عن العصبيات العرقية والطائفية، وانتخب بمسؤولية وحس وطني إن كنت فعلاً تريد الإصلاح... وبعدها "تعال وطالب" بحل الأزمة الإسكانية وتطوير الصحة والتعليم، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
مقالات
أولويات شعب يكذب
10-10-2013