بحجم الأزمة التي نعيشها كشعب، وبعمق المأزق الذي أوقعت السلطة نفسها فيه، وهو ما ينتج عنه حالة التأزم السياسي المتواصل وتفجر براكين الاحتقان الاجتماعي، يشغلني كثيراً تناول الجوانب المخفية لما أسميه "المغذيات الطبيعية للمعارضة" أو الأسباب المنطقية التي تدفع الناس دفعاً إلى التخلي عن تأييد الحكومة بشعار "الله لا يغير علينا"، ومؤازرة قوى المعارضة وتأمين الغطاء الشعبي والانتخابي لها.

Ad

في بلد مثل الكويت يفترض أنه غني بسبب النفط، من المستغرب جداً تزايد أعداد "متعاطي" الشأن السياسي فيه من الشرائح العمرية المختلفة وعلى مدار السنة تقريباً، والأغرب من ذلك هو تزايد عدد المتعاطين ووصول الأمر إلى البيت وللأشخاص الذين لم يدلوا برأي سياسي في حياتهم.

السؤال المتكرر في مثل هذا الوضع هو لماذا تم حل البرلمان أكثر من مرة، وتم تقديم مميزات مالية للمواطنين وتلبية مطالب النواب في أكثر من مواجهة مع السلطة التنفيذية، وأزيدكم بعد الانتخابات الأخيرة ووصول نوابه تحت شعارات نهاية التأزيم وتحقيق التنمية والسمع والطاعة، عادت أجواء التوتر في العلاقة بين السلطتين، وعادت طوابير الاستجوابات تقف أمام مكتب أمين عام مجلس الأمة، مع أن النواب غير النواب والتوجهات غير التوجهات!

الجواب على "لماذا؟" يمكن اختصاره بـ"سوء الإدارة الحكومية المزمن" التي أهدرت الثروة وفشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية وتنفيذ القانون على الجميع، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الفساد بكل أنواعه والالتزام بالوعود التي تطلقها بين الحين والآخر، وأبرزها التنمية والشفافية ورفع مستوى الخدمات العامة والقائمة تطول.

 كل ما سبق كان كافياً لوصولنا إلى ما نحن فيه وأكثر، إلا أنه يتبقى أمر مهم أعتبره جوهر هذا المقال وهو تجاهل دور الشباب في تغذية صفوف المعارضة واستمرار الصراع على الساحة السياسة.

كل ما سبق أن ذكرته عن المعالجات التي تمت لاحتواء الخلافات السياسية التي حصلت بعد عام 2006 حتى 2011، لا تلامس الهموم الحقيقية التي تواجه الشباب لأنها وقعت بين نخب سياسية وسلطة تنفيذية جميعهم فشلوا في وضع الحلول التي تمنع "انفجار" غضب الأجيال الجديدة التي لن "تحشم" أحداً قد تراه يقف حائلاً دون تمتعها بأبسط حقوقها الطبيعية كالتعليم والعمل والسكن والرعاية الصحية.

دعوني أشرحها بطريقة مختلفة؛ هناك جيلان من الشباب الأول من مواليد السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات وقع في "فخ" حكومات الثمانينيات التي استفادت من طيب المراحل السابقة، وهذا الجيل تلقى رعاية صحية جيدة ولحق على وجبات الإفطار في المدارس وقُبل بسهولة في جامعة الكويت، وتمكن من الحصول على وظيفة لكنه، أي الجيل الأول، تورط في قضية السكن، هو لديه كل شيء راتب وشهادة وزوجة وأولاد وعمر اقترب أو تجاوز الأربعين لكن بدون سكن وبالمقابل مطلوب منه الصمت و"السمع والطاعة".

الجيل الثاني من منتصف الثمانينيات حتى اليوم، هذا هو السيل الجارف الذي جعلته الحكومة معارضاً ومتفرغاً للمطالبة بحقه ومكانه المناسب في المستقبل مثله مثل الذين سبقوه، هذا الجيل ليس لديه ما يخسره، هو يسمع أن الكويت دولة غنية لكنه لا يحصل على مقعد للدراسة في جامعة الكويت، وإذا تخرج لا يجد وظيفة، وإن فكر بالزواج فعليه بالاقتراض، أما السكن فليس أمامه غير الجحر الصغير المسمى شقة وبإيجار يلتهم معظم راتبه.

مشكلة الكويت والسلطة الآن ليست في نظام التصويت ولن تكون، مشكلة الكويت والسلطة مع هموم الشباب وأهاليهم الموجوعين لوجعهم والغاضبين لغضبهم، "حلوا" ولن أقول اسمعوا مشاكل الشباب واخلقوا لهم البيئة التنافسية للعمل والإنتاج تحت راية العدل والمساواة، وستنتهي مشكلة تعاطي الكبار والصغار للسياسة وتتوقف مغذيات المعارضة الطبيعية عن العمل.