أنهت الولايات المتحدة حالة الاستنفار العام، الذي بموجبه أغلقت أبواب أكثر من عشرين من سفاراتها، ولذلك ولأنه لم يكن هناك أي عمل إرهابي بالحجم الذي تحدثت عنه واشنطن فإن هذا يعني إما أن أميركا قد "بَلَعت" لعبة "القاعدة"، وأنها وقعت في المصيدة التي نصبها لها هذا التنظيم الإرهابي، وإما أن هناك أمراً آخر، وأن هذه اللعبة أميركية وليست "قاعدية"، وأن السر بهذا الخصوص لدى موسكو ولدى الرئيس فلاديمير بوتين الذي وصفه باراك أوباما بـ"الطفل غير المبالي" الذي اعتاد الجلوس في مقاعد صفوف الدراسة الخلفية.
وحتى باستبعاد هذين الاحتمالين، مع أنه لا يمكن استبعادهما إلا افتراضياً، فإن تصوير الأميركيين لهذا الأمر وكأن حرباً عالمية باتت تهدد الكرة الأرضية كلها، وأنها على وشك الاندلاع، يعني بالتأكيد أن المعلومات، معلومات الاستخبارات الأميركية، إن هي صحيحة فعلاً فإنها غير دقيقة وإلا ما معنى أن يكون هناك كل هذا الارتباك، ويتم إغلاق السفارات الأميركية في أكثر من عشرين دولة، من بينها دول أمنية بالفعل... الأردن والسعودية على سبيل المثال وليس الحصر. لو أن الاستخبارات الأميركية الذائعة الصيت بالتفوق، الذي يتم ترويجه، وحقيقة أن كارثة سبتمبر 2001 قد أثبتت عدم صحة هذا التفوق، لما وقعت في شرك "القاعدة" وشربت "مقلبها"، هذا إذا كان الأمر مجرد لعبة "قاعدية"، أما إذا كانت توقعات العملية أو العمليات الإرهابية التي جعلت واشنطن تعلن حالة الاستنفار العام، وكأنها بانتظار حرب نووية عالمية إن ليس كلها صحيحة ففيها بعض الصحة فإنه كان على "سي آي إيه" الأميركية أن تكون معلوماتها دقيقة وألا تخبط خَبْط عشواء، وأن تحدد الدول المستهدفة والأهداف المتوقعة. إن هذا لم تفعله الولايات المتحدة، وإنها أصيبت بارتباك لا يجوز أن تصاب به دولة بكل هذا الحجم وبكل هذا الانتشار العسكري والأمني، ودولة تبلغ موازنة أجهزتها الاستخبارية عشرات... وربما مئات أضعاف موازنات معظم الدول التي وضعتها واشنطن ضمن الدائرة الحمراء، وأغلقت سفاراتها وبعض سفارات الاتحاد الأوروبي فيها، وبالتالي سببت لها الكثير من الإزعاجات الأمنية والاقتصادية، خاصة في مجال قطاع السياحة، نظراً لأن الاستنفار الذي أعلنه الأميركيون جاء عشية عيد الفطر المبارك. في كل الأحوال إن هذا لا يعني إطلاقاً أننا نطالب الولايات المتحدة بألا تحسب حسابات فعلية حتى بالنسبة لمعلومة صغيرة وغير مكتملة تتعلق بأمنها القومي وبأمن حلفائها وأصدقائها وأمن العالم كله فـ"قريص الحيَّة يجب أن يخاف من جرَّة الحبل"، والمعروف أن أفعى الإرهاب، قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبعدها، قد لدغت أميركا أكثر من مرة، والمعروف أيضاً أن الذكرى الخامسة عشرة للعملية الإرهابية التي استهدفت السفارة الأميركية في إحدى الدول الإفريقية، والتي أسفرت عن أكثر من مئتي قتيل كانت في الأيام ذاتها التي أعلنت فيها واشنطن حالة الاستنفار القصوى خوفاً من أن تفاجأَ بعملية إرهاب جديدة. إن كل شيء جائز في هذا العالم الذي بات يهتز تحت ضربات الجنون الإرهابي، لكن وبما أن نظرية "المؤامرة" لم تكن رائجة كما هي رائجة الآن أليس من حقنا ومن حق غيرنا النظر إلى حالة الرعب هذه التي أشاعتها الولايات المتحدة في الكرة الأرضية بأسرها من زاوية عين تآمرية، واعتبار أن كل ما جرى هو مجرد محاولة لتبرير فضيحة تجسسها حتى على اتصالات الأميركيين أنفسهم التي كشفها عميلها المخابراتي السابق إدوارد سنودن الذي "تقديراً لجهوده الخيرة"! منحته دولة فلاديمير بوتين حق اللجوء السياسي إليها.
أخر كلام
من زاوية عين تآمرية!
12-08-2013