هل ستظل أسعار النفط في برجها العالي؟
طموحات إيران النووية في ضوء نتائج انتخابات الرئاسة فيها، والحرب الأهلية في سورية، والعنف المتصاعد في العراق جميعها عوامل تشير إلى استمرار وجود الكثير من المخاطر التي تحيط بمسألة الإمدادات النفطية في منطقة الشرق الأوسط.
مع استمرار جهود الحفر والتنقيب تتزايد فرص تدفق موارد الطاقة الهيدروكربونية على سطح كوكبنا في كل يوم، وقد أصدرت قبل أيام إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA) تقديرات جديدة لكمية الغاز المتوافر في المكامن الصخرية في العالم، وهي تحسب أن هناك 7299 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي الصخري أي بزيادة نسبتها 10 في المئة عن تقديرات عام 2011، وتشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة بالنسبة إلى النفط الصخري، والتي لم تشملها أرقام سنة 2011، إلى وجود 345 مليار برميل ما يضيف نسبة العشر إلى موارد العالم الإجمالية من النفط.وقد تدفق النفط الصخري من باطن الأرض في أميركا، ليحل محل الواردات التي تصل إلى أكبر مستهلك للنفط في العالم، ولم تظهر تأثيرات الإمدادات الجديدة بعد على صعيد الأسعار: ويباع نفط برنت لقاء 103 دولارات للبرميل بعد أن بلغ متوسط سعره 111 دولاراً في عامي 2011 و2012. ولكن هل الخبراء محقون فيما توقعوه؟ فقد رأى بول ستيفنز، من "تشاتام هاوس" المتخصصة في بحوث الطاقة، هو وغيره من الخبراء أن الأوضاع الراهنة تحاكي ما حدث حينما انهارت أسعار النفط في عام 1986 بسبب التأثيرات التي خلفتها الأسعار المرتفعة للنفط الخام على مستويات الطلب العالمي في الأسواق، وبدورها أدت إلى البحث عن مصادر جديدة من الإمدادات النفطية في بحر الشمال وآلاسكا، فهل كان الخبراء على حق؟
ترجع الارتفاعات الأخيرة في الأسعار إلى صدمات الإمداد النفطية في الشرق الأوسط المليء بالمشكلات. كما أن ثورات "الربيع العربي" توجت بفقدان النفط الليبي من الأسواق في سنة 2011 بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك، وقد وصل سعر خام برنت إلى 127 دولاراً للبرميل، ومنيت أسواق النفط في ذلك الوقت بالتوتر والضغوط، كما نشط الطلب في الأسواق الناشئة، وكان حدوث أي اضطراب بسيط في الإمدادات النفطية تنعكس تأثيراته بصورة غير متناسبة. لكن تباطؤ النمو في الصين إضافة إلى أزمة اليورو منذ ذلك تسببا في تخفيف مستويات التعطش إلى استهلاك النفط الخام وشرائه دولياً، وتشير التوقعات إلى حدوث ضعف نسبي في نمو الطلب عند ما يقارب الـ800 ألف برميل يومياً في عام 2013- أي أبطأ قليلاً من سنة 2012.تملك السعودية الصوت الفاصل في ما يتعلق بأسعار النفط، وهي ترحب بوصول سعر البرميل إلى حوالي 100 دولار، كما أن الاقتصاد العالمي يبدو قادراً على التكيف مع الأسعار عند ذلك المستوى، وقد عززت المملكة العربية السعودية إنتاجها في السنة الماضية من أجل التعويض عن أي نقص في الصادرات الإيرانية نتيجة ظهور تأثيرات ناجمة عن العقوبات الدولية على طهران.ومنذ ذلك الوقت عاد النفط الليبي إلى الأسواق وازدادت إمدادات النفط الصخري من أميركا الشمالية بما لا يقل عن مليون برميل في اليوم، وخفضت المملكة العربية السعودية إنتاجها بنحو 700 ألف برميل يومياً. وبدخول تلك التخفيضات حيز التنفيذ علاوة على بدء الإنتاج من حقل منيفة في وقت مبكر من هذا العام، فإن ذلك يعني أن السعة الاحتياطية للمملكة العربية السعودية والكميات الجاهزة للضخ بدأت بالتكون والازدياد.وربما تكون تلك الأوضاع مفيدة، كما أن الأسواق تبدو كما لو كانت قد نسيت مسألة الأخطار السياسية في الشرق الأوسط، فحسب شركة "إنيرجي أسبكتس" الاستشارية فإن "علاوات المخاوف الجيوسياسية متدنية للغاية".ولكن على الرغم من ذلك فإن طموحات إيران النووية في ضوء نتائج انتخابات الرئاسة فيها، والحرب الأهلية في سورية، والعنف المتصاعد في العراق جميعها عوامل تشير إلى استمرار وجود الكثير من المخاطر.وفي ما يتعلق بمصادر الإمدادات النفطية الجديدة المشار إليها، فإن إضافات النفط الصخري من خارج الولايات المتحدة في مناطق مثل البرازيل وكازاخستان والعراق تبدو مخيبة للآمال.ويشير كريستوف روهل، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة "بي بي" إلى أن الطلب كان يتراجع خلال هبوط أسعار النفط في سنة 1986، ومع ذلك فإن المنتجين لم يرغبوا في إغلاق مشاريع ضخمة في بحر الشمال وآلاسكا، وعمدوا بدلاً من ذلك إلى خفض التكلفة والاستمرار في عمليات الضخ، غير أن استخراج النفط الصخري يتم من خلال استخدام المئات من الآبار، وهكذا فإن خفض الإنتاج يكون أكثر سهولة بقدر كبير إذا هبطت الأسعار؛ لذا فإن أصحاب السيارات الذين يأملون في الحصول على أسعار أدنى للنفط قد لا يحالفهم الحظ كثيراً.