ثورة يابانية ناقصة على جبهة السياسة النقدية

نشر في 15-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 15-04-2013 | 00:01
No Image Caption
الاقتصاد في حاجة إلى جراحة هيكلية وليس لمسكنات

ما الذي يجب فعله في اليابان من أجل إنجاح التحوّل في السياسة النقدية؟ الجواب هو إدراك حقيقة أن العقبة الكامنة هي هيكلية تكمن في ما يعتبر الآن قطاع الشركات المختل وظيفياً.

هدف شنزو آبي في، رئيس الوزراء الياباني، أن يكون معدل التضخم 2 في المئة خلال سنتين، هدفا طموحا، ولدى هاروهيكو كورودا الآن سياسة جريئة لتحقيق ذاك الهدف. السؤال هو ما إذا كانت السياسة النقدية ستنجح؟ جوابي هو أن السياسة النقدية لن تنجح لوحدها، ولا بد للحكومة من أن تُتبِعها بإصلاحات هيكلية عميقة.

 في 4 أبريل أعلن مصرف اليابان إطلاق برنامج من «التسهيل الكمي والنوعي»، وهو يَعِد بمضاعفة القاعدة النقدية وأن يزيد إلى أكثر من الضعف متوسط تواريخ استحقاق سندات الحكومة اليابانية التي يشتريها المصرف.

 سترتفع القاعدة النقدية بمعدل سنوي من 60 الى 70 تريليون ين (600 الى 700 مليار دولار)، أي ما يشكل نسبة ما بين 13 الى 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وسيزداد متوسط تواريخ استحقاق مقتنيات المصرف من السندات من ثلاث إلى خمس سنوات. فضلاً عن ذلك، يقول مصرف اليابان إنه «سيستمر في إجراءات التسهيل الكمي والنوعي في السياسة النقدية مادام كان ذلك ضروريا».

 لن يكون هذا من قبيل إلقاء أموال الإنقاذ من الطائرات المروحية، على اعتبار أن النية هي عكس المسار النقدي المتوسع، حين يتعافى الاقتصاد، ولن يكون هذا أيضاً من خلال الشراء المباشر للأصول الأجنبية، كما فعل المصرف الوطني السويسري.

 وإنما يعتبر ذلك، على حد تعبير جافين ديفيز، رئيس مجلس إدارة شركة فولكروم أسِت مانِجْمنت: «جرعة ضخمة من التلاعب في الميزانية العمومية الداخلية» الهدف منها هو تشجيع القطاع المالي على التحول عن مقتنيات مصرف اليابان، ورفع أسعار الأصول الحقيقة. مع ذلك، من المؤكد أن من النتائج المرغوبة لذلك، تراجع سعر الصرف.

فائض هيكلي

 ما السبب في أن هذا الترتيب يمكن أن ينجح؟ الجواب هو أن اليابان تعاني فائضا هيكليا من المدخرات في القطاع الخاص، فالشركات تراكم الأموال بكميات فوق الحد. ويمكن للسياسة النقدية المعلَنة أن تغير هذا الوضع، على الأقل بصفة مؤقتة، عن طريق الجمع بين طريقتين: الأولى هي أنه من خلال تخفيض سعر الصرف الحقيقي يمكن أن تتمكن اليابان من زيادة قدرتها على تصدير فائض المدخرات، عن طريق زيادة الفائض في الحساب الجاري. الثانية هي أن السياسة النقدية حين تعمل على تحويل أسعار الفائدة الحقيقية إلى السالب، وترفع كذلك من الثروة الحقيقية، فإنها يمكن أن تزيد من الاستثمار وتقلص المدخرات.

 لكن من شأن ذلك في أفضل الأحوال ألا ينجح إلا على المدى القصير.

وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يؤدي إلى إحداث الاضطراب في استقرار التوقعات التضخمية، ويدفع اليابان بالتالي بصورة خطرة من الانكماش إلى التضخم الفائق، دون أن يتوقف لفترة طويلة بين المرحلتين.

 معنى ذلك أنه يمكن أن يقرر المواطن الياباني أن هدف حكومته هو إفقاره بصورة وحشية، من خلال تقليص القيمة الحقيقية لمدخراته (حتى مع قبولنا بأنها مدخرات غير قابلة للاستدامة).

 وإذا أدى هذا إلى إخافة اليابانيين ودفعهم باتجاه الين، فسيكون صُناع السياسة في حيرة من أمرهم، على اعتبار أنه لن يكون بمقدورهم زيادة أسعار الفائدة الحقيقية دون إتلاف المالية العامة. بل إن من الممكن حتى أن يجدوا لزاماً عليهم أن يفرضوا ضوابط على أسعار الصرف.

 ما الذي يجب فعله إذن من أجل إنجاح التحوّل في السياسة النقدية؟ الجواب هو إدراك حقيقة أن العقبة الكامنة هي هيكلية تكمن في ما يعتبر الآن قطاع الشركات المختل وظيفياً.

 في الفترة الأخيرة طرح أندرو سيمذرز، من شركة سيمذرز آند كومباني، وتشارلز دوماس، من لومبارد ستريت ريسيرتش، الفكرة نفسها إلى حد كبير. ذلك أن مدخرات القطاع الخاص في اليابان، والتي تم توليدها بأكملها تقريباً في قطاع الشركات، عالية تماماً فوق الحد من حيث العلاقة بفرص الاستثمار المعقولة. بمعنى أن مجموع الاستهلاك والأرباح المستبقاة للشركات اليابانية، بلغت في 2011 نسبة ضخمة من الناتج المحلي الإجمالي عند 29.5 في المئة، مقابل 16 في المئة في الولايات المتحدة، التي تعاني هي نفسها فائضا ماليا لدى الشركات.

توليد المدخرات

 إن النظام الاقتصادي الياباني هو آلة لتوليد المدخرات العالية في القطاع الخاص. وفي اقتصاد ناضج ذي وضع سكاني ضعيف، لا تستطيع استخدام هذه المدخرات بصورة منتجة.

 وكما يلاحظ دوماس، فإن إجمالي الاستثمار الثابت للشركات الأميركية بلغ في المتوسط 10.25 في المئة من الناتج المحلي خلال السنوات العشر السابقة، مقابل 13.7 في المئة لدى اليابان. مع ذلك، فإن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة تفوّق على اليابان كثيراً. معنى ذلك أنه لا بد أن الشركات اليابانية كانت تستثمر فوق الحد، وليس دون الحد؛ إذ إن من غير المعقول أن زيادة المعدل الاستثماري بهدف امتصاص مزيد من فائض مدخرات الشركات، من شأنه أن يزيد من كمية الهدر.

 على الأمد القصير، يمكن لأسعار الفائدة الحقيقية السالبة أن تزيد من الاستثمار قليلاً، على اعتبار أن المدخرات ستحصل على عوائد أقل. لكن على الأمد المتوسط إلى الطويل ينبغي أن يتراجع الاستثمار لدى الشركات اليابانية. وحيث إن مدخرات الأسر متدنية ورغبتها في الاقتراض صغيرة، فإن هذا يترك مجالين آخرين فقط من المجالات القادرة على استيعاب الفائض الهائل في مدخرات قطاع الشركات: وهما الأجانب والحكومة.

 من الناحية العملية، نفذت الحكومة إلى حد كبير هذا العمل خلال العقدين السابقين. وهذا هو السبب في أن مبالغ العجز في المالية العامة هائلة، وتسير مديونية القطاع العام في اتجاه عام متزايد باستمرار، من جانب آخر، تراجع الفائض الخارجي، ويعود السبب في ذلك إلى تراجع أحكام التجارة والأداء السيئ لحجم الصادرات.

 مرة أخرى، يمكن أن تأتي المساعدة في حالة تراجع قيمة الين، لكن الأثر سيكون ضئيلاً فحسب، ذلك أن الفائض في الحساب الجاري اللازم لاستيعاب فائض المدخرات لدى القطاع الخاص، وتوليد الفائض في المالية العامة اللازم لتخفيض نسب الدين العام، سيكون بنسبة 10 في المئة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي.

 وحيث إن اليابان ما تزال اقتصاداً مغلقاً نسبياً، فلن يكون بمقدورها توليد فائض من هذا القبيل. ولو كان ذلك بمقدورها، فإن من المؤكد أن بقية العالم لن تعمل على استيعابه.

مدخرات الشركات

 ينتج من ذلك أن اليابان في حاجة ماسة إلى إصلاح هيكلي، ولكن ليس فقط أي نوع من الإصلاح الهيكلي، فهي في حاجة إلى إصلاح يؤدي في وقت واحد إلى تخفيض الفائض في مدخرات الشركات، وزيادة معدل الاتجاه العام للنمو الاقتصادي.

 ويفترض أن يكون هذا الاقتران ممكناً، على اعتبار أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في اليابان (بمعادل القوة الشرائية) تراجعت إلى معدل 76 في المئة من المستويات الأميركية، كما أن معدل الناتج الإجمالي في الساعة تراجع إلى 71 في المئة فحسب. وتشتمل خيارات السياسة على: تخفيض هائل في علاوات الاستهلاك؛ وضريبة جزائية على الأرباح المستبقاة، ويمكن كذلك جمعها مع حوافز لزيادة الاستثمار؛ وإصلاح الحوكمة في الشركات لإعطاء مزيد من الصلاحيات للمساهمين. ستكون أهداف ذلك حرمان الشركات من وقاية حركة النقد التي استوعبت انعدام الكفاءة. وإن أسوأ زيادة ضريبية محتملة هي الضريبة التي تعتزم الحكومة الآن فرضها على الاستهلاك، على اعتبار أن الاستهلاك في اليابان دون الحد. بدلاً من ذلك يجب فرض الزيادة الضريبية على مدخرات الشركات.

 الإصلاحات التي من هذا القبيل ستكون متطرفة فعلاً، هل هناك أدنى احتمال في أن يتحرك آبي في هذا الاتجاه؟ لا. لكن من دون هذا النوع من الإصلاح، فإن سياسة مصرف اليابان ستكون، في أحسن أحوالها، مُسَكِّناً قصير الأمد، وفي أسوأ الأحوال ستكون كارثة تضخمية.

 من جانب آخر، تحتاج الصين إلى أن تلاحظ أن هذه هي النتيجة النهائية لاقتصاد نهض على تفضيل الاستثمار وكبح الاستهلاك. هذه استراتيجية عظيمة للحاق بالبلدان الغنية، لكنها تخلف صداعاً هائلاً حين يتوقف النمو السريع.

* فايننشال تايمز

back to top