النصيحة الأولى التي يعطينا إياها كتاب «51 فكرة لتتغيّر وتغيِّر العالم من حولك» هي في الابتعاد عن التعقيد عند وصفنا للأشياء واعتماد البساطة والوضوح في حياتنا العملية. أما النصيحة الثانية فهي اتكالنا على الحس السليم الذي يسمح لنا بأن نتعامل مع الأمور بلباقة، فنعرف ما يناسبنا ونفعل ما نرغب فيه.

Ad

أعدّت الدكتورة بياتريس ميلاتر كتابها لأولئك الذين رسخوا شخصياتهم على القيم البسيطة والصحيحة، أولئك المقتنعون بأن جداتهم كن محقات في حكمتهن وملاحظاتهن التي عبّرن عنها بالأمثال والأقوال الموجزة، ولكنهم لا يجرؤون على القول إنهم على الدرب الصحيح أمام العدد الأكبر من الناس. لهؤلاء الأشخاص تتوجه المؤلفة بقولها: «يا من تظنون أنكم مخطئون أمام أولئك الذين ينظرون إليكم بتعالٍ لأنكم تعتقدون أن أجدادكم أفضل من قدّم لكم النصائح، قولوا لهم: نعم، كانت جدتي محقة وقد أثبت هذا علميًا».

علم النفس اليوم

يتضمّن الكتاب قسمين، ويتناول القسم الأول علم النفس اليوم وكيفية اعتماده لتأمين حياة هانئة، سعيدة وذات معنى، وكيف نتجنب الاكتئاب أو الإرهاق المهني وكيف نعزّز حسّ القيمة الشخصية.

ويمكننا تحقيق هذا كله إذا ما استفدنا من كل وضع في حياتنا اليومية كي نحسّنها ونجعل الأيام التالية مرضية أكثر، وبالتالي نتقدّم شيئًا فشيًا، ونبني حياتنا ونعمل من أجل راحتنا العقلية.

وقد اخترنا من القسم الأول بضع أفكار نستعرضها مع التعليق عليها:

• تتناوب الجوانب الحلوة وتلك المرّة في الحياة. ورفض الناحية المرّة من الحياة لا يمكن أن يفضي إلى السعادة في حين أن تقبّلها يسمح بحسن إدارتها.

على صعيد السعادة، نعلم أن ثمة لحظات سعادة، لحظات نشعر فيها أننا في أحسن حال، ولحظات مليئة بالمصاعب والمشاكل حيث لا نشعر أننا في حال جيدة. تشكّل هذه اللحظات جزءًا من الحياة، ويستحيل علينا أن نحذفها.

إلا أننا نستطيع أن نتولى إدارة هذه اللحظات كي نتغلّب عليها. وإذا ما تمكّنا من ذلك، يمكننا أن نكون في حال جيدة نفسيًا وجسديًا، وأن نحقق توازننا.

هذه هي الراحة الفكرية: إيجاد طريقة عيش وتقوية حالة ذهنية تسمحان لنا بأن نستبق المستقبل بطريقة بنّاءة وأن نجد حلولاً للمشاكل التي نواجهها. نستفيد من اللحظة الحاضرة ونبني مستقبلاً ممتعًا.

يمكن وصف كل وضع نعيشه بالإجمال عبر ثلاثة مكوّنات تتفاعل بشكل مستمر: الانفعالات والمشاعر، السلوك والتصرفات، والأفكار.

لنفترض أنّ شخصًا تحبه قدّم لك هدية، ستقول في سرّك (فكرة) {هذا لطيف}، وستشعر بالسرور (شعور)، وستفتح الهدية (تصرّف).

بالتالي، تسير الأمور على ما يرام، إذ تراودنا أفكار جيدة وتتملكنا مشاعر طيبة ونُقدم على تصرفات مناسبة.

إلا أنّ الأمور لا تسير على هذا النحو دومًا. تخيّل على سبيل المثال أنك تتناول خبزًا محشوًا بالشوكولا. من المؤكد أنك ستستمتع بما تأكله، وسيخطر لك مثلاً {أن الخبز طريّ، والشوكولا لذيذ}، لكن {وزني سيزداد كيلوغرامًا}. بالتالي، إنّ ثلثي أفكارك جيّد والثلث المتبقي سيئ.

وهذا هو حالنا وتركيبتنا في أوضاع الحياة اليومية.

يمكننا أن نعيش لحظات غبطة، وحماسة، لحظات سعادة صرفة: كولادة أطفالنا، ويوم زفافنا، ونجاحنا في امتحان ما، وإيجاد حلّ لمشكلة ما. إنّ أفكارنا جيدة 100%. لكن هذه الأوضاع لا تشكّل مجمل حياتنا: فالوضع على هذا الحال ليس متوازنًا، وليس مترابطًا.

إذن، نحتاج إلى هذا الثلث الصغير من الأفكار السيئة: إنه الثقل الذي يحول دون أن نكون في حال دائمة من النشوة والغبطة... وهو الحاجز الذي يمنعنا من أن نلتهم عشر قطع من الخبز المحشو بالشوكولا! إنه ما يضمن توازننا.

في هذه اللحظات، نشعر أننا في حال جيدة، من دون مبالغة سواء أكانت سلبية أم إيجابية: نعيش لحظات سعادة بسيطة، الحجارة الصغيرة التي تعبّد طريق الحياة اليومية.

يجب أن نتعلّم كيف نتقبّل هذه اللحظات، ليس بطريقة سلبية طبعًا بل عبر إدراكنا أننا قادرون على أن نواجهها، وأن نديرها وأن نطرح بشأنها التساؤلات لئلا تتكرر كثيرًا أو غالبًا. وعندما نتعلّم كيف نديرها، نعمل على أن يحل الفرح فعلاً بعد الشدّة.

• يجب ألا نرى الشرّ في مكان بل أن نتحلى بالتسامح والتساهل.

حدّثتني إحدى صديقاتي عن إحدى زميلاتها التي ترتاد عيادة أحد زملائي قائلة: «المسكينة، إنها تعاني كثيرًا إلى حدّ أنها أصبحت بحاجة إلى نصائح لتخفف من حدة ألمها!»

كم أنّ هذا صحيح! وكم يمكن للمعاناة أن تشكّل مصدر نزاعات وخلافات بسبب التصرفات غير المناسبة التي تثيرها فضلاً عن الألم الذي تسببه للشخص الذي يعاني منها.

لنفترض أن ساعدك ارتطم بشيء ما وظهر أثر الضربة عليه أو أنه يؤلمك جدًا. تخيّل الآن أنك تركب القطار في ساعة الذروة ويدفعك أحدهم تمامًا في النقطة التي تؤلمك. من الطبيعي أن تصرخ من الألم، ولعلك ستصيح في إثر الشخص الذي ارتطم بك وتكيل له الشتائم. في الواقع، لم يفعل هذا الشخص المسكين الكثير: لم يتجنّبك وحسب، فضعط قليلاً حيث تعاني من ألم.

هل هو مسؤول عن ألمك؟ لا طبعًا.

هل لديك شيء ما ضده؟ ليس فعليًا.

سيكون رد فعلك هو نفسه، سواء أكان هذا الشخص أم سواه، لأن تصرفك لا يستهدفه هو فعلاً بل يرتبط أكثر بما تشعر به، بألمك الداخلي.

إذن، إنّ ألمنا الداخلي يدفعنا إلى القيام برد فعل سلبي.

ويحدث الأمر نفسه مع عواطفنا: يدفعنا الألم الداخلي الذي نشعر به إلى التصرّف بطريقة غير مناسبة.

• نحن نعيش في محيط يتحرّك ويتغيّر باستمرار، محيط نتأقلم معه دومًا، بغض النظر عن أعمارنا أو طباعنا.

لطالما ظننا أن دماغ الطفل هو الوحيد المرن والطيّع أيّ القادر على التعلّم، والقادر على التكيّف وعلى التبادل وفقًا للأحداث. أصبحنا نعرف اليوم أن هذا ليس صحيحًا.

سمح التصوير بالرنين المغنطيسي قبل العلاج وبعده بتسجيل التغييرات التي تحصل في الدماغ، ما يُثبت مرونته وطواعيته.

إذا أخضعنا شخصًا يعاني من الاكتئاب لمثل هذه الصورة وقارناها بصورة شخص غير مكتئب للاحظنا أن المناطق الناشطة ليست متشابهة.

وإذا أعدنا الصورة بعد العلاج، فسنلاحظ أن المناطق التي نشطت لدى الشخص الذي كان مكتئبًا مطابقة لتلك الناشطة لدى الشخص غير المكتئب.

هذه النتيجة أساسية وجوهرية، لأنهاه تظهر بشكل لا يقبل الشك أنك قادر على قلب أيّ عمليّة سلبية حتى وإن كانت في داخلك منذ زمن طويل.

عندما ستبدأ بتغيير مواقفك، ستجري الأمور وكأنك تسير بسيارتك في درب في الريف.

لكثرة الممارسة وتكرار الحركات نفسها مرارًا أو النوع نفسه من الحركات، تسلك السيارة الدرب نفسه مرة تلو الأخرى. في نهاية المطاف، تتنقل السيارة من الدرب الترابي الريفي إلى الطريق المعبّد السريع لأن الدماغ غيّر توصيلاته بحسب تجاربك.

أستقبل غالبًا رجالاً كبارًا في السن يقولون لي إن التغيير مستحيل في مثل سنهم. فأشرح لهم ما شرحته للتو ويدركون في نهاية المطاف بعد أن يصبحوا بحال أفضل، أنهم كانوا مخطئين.

العيش بذكاء عالٍ

إذا كان البعض قادرًا على تجاوز بعض حدوده، فإننا نجد أنفسنا اليوم في مواجهة وضع متناقض: نفكر في أنفسنا فننسى أننا نعيش في عالم يعج بأشخاص آخرين لا يمكننا أن نغض النظر عنهم، وهذا ما يعالجه القسم الثاني من الكتاب.

إن التفكير في الذات لتطويرها أمر أساسي بالتأكيد لكن شرط ألا يكون الثمن نسيان الآخرين. فعلينا إذن معرفة حقيقة معدن الآخرين كي نتمكن لاحقًا من نسج علاقات ذكية معهم.

وقد اخترنا من القسم الثاني أيضًا أفكاراً مع معالجتها والتعليق عليها لتكون وسيلة تغيير لنا:

• تقبّل الناس كما هم، متساوون في القيمة ومختلفون من بعض النواحي.

نميل كلنا إلى ننسب إلى أنفسنا قيمة شاملة، أن نحكم على أنفسنا بأننا «جيدون» أو «سيئون»، وأن نفكر بمفهوم النجاح والفشل، أن نعتبر أننا قادرون على أن ننجز أو عاجزون عن ذلك. نحن نعتقد أن هذه القيمة دقيقة، بما أننا نحدّدها بحسب النتائج أو الظروف.

لكنها تحطّ من القدر للغاية كما أنها لا تعكس الحقيقة والواقع.

قالت لي امرأة ذات يوم: {أنا بقرة كبيرة!}. لِمَ أطلقت على نفسها هذه الصفة؟ لأنها وصلت متأخرة إلى موعدنا!

ولا بد أنكم توافقونني الرأي إن قلت إنّ مثل هذا الحكم على الذات لا يمكن أن يساعدها بل على العكس من ذلك. وإذا ما ارتكبت خطأً، فهذا لا يعكس شخصيتها كلها.

من المريح أكثر ومن الواقعية أن نتقبّل أنفسنا كأشخاص إيجابيين بالأساس وألا نطلق على أنفسنا صفات وأحكامًا تتعلق بقيمتنا إلا بحسب الظروف والأوضاع وأن نسجّل فقط النواحي السلبية المتعلقة بالذات، بأسلوب الحياة، وبالتصرفات...

وينطبق هذا على الآخرين.

تقبّل الذات والآخرين هو القدرة على تقبّل حقيقة أننا متساوون من حيث القيمة إنما غير متساوين في بعض النواحي الخاصة.

يمكن أن تكوني طاهية ممتازة إنما تفتقرين إلى القدرة على التنظيم فيما تجيد جارتك التنظيم لكنها لا تطهو؛ يمكنك أن تكون سائقًا ماهرًا لكنك لا تجيد إجراء أيّ تصليحات في منزلك على عكس شقيقك...

الكل أناس مثيرون للاهتمام لكنهم لا يملكون المواهب نفسها أو الاهتمامات نفسها أو القيم نفسها.

غالبًا ما يترك المجتمع أثرًا فينا، هذا المجتمع الذي يعظّم قانون {الأكثرية الساحقة} كقاعدة. كما أننا نتعلّق غالبًا ببعض القيم التي يثمنها المجتمع، كالثراء والمركز الاجتماعي. بالتالي، في نظام قيمنا الخاص، يحتلّ الأشخاص الذين يملكون كل ما يحتاجونه مرتبة عالية. وهذه أيضًا صورة تعكسها وسائل الإعلام إلا أنها لا تعكس الواقع.

ونحن لا نميل في الوقت عينه إلى منح قيمة كبيرة للخصائص الجوهرية للشخصية، كالكرم والإحساس بالمسؤولية على سبيل المثال.

تخصيص مساحة كبيرة للظروف الخارجية يجعلنا نشعر بأننا أدنى درجة فيما يجعلنا تخصيص مساحة كبيرة للظروف الداخلية نشعر بالتفوّق. بالتالي يكمن التوازن في الوسط. وبدلاً من أن تحكم على نفسك وعلى الآخرين بطريقة شاملة عبر التقليل من قيمتك، احكم على الأفعال وعلى كل ناحية محددة جدًا لا تعجبك.

• لكل واحد منا خصاله ومزاياه التي لا ندركها حكمًا للوهلة الأولى.

غالبًا ما نرى فقط أو بسهولة أكبر النواحي السلبية لدى الآخرين، هذه النواحي التي تثير أعصابنا وهذا أمر مشروع. في الواقع، هذه النواحي تضرب على وتر حساس في داخلنا بما أنها تثير مشاعر سلبية لدينا.

كما رأينا سابقًا، يشكّل تعلّم أن نرى أبعد من المظاهر وسيلة جيدة لنكتسب التفهّم والتساهل والتسامح. وتسمح رؤية النواحي الإيجابية لدى الأناس الذين نعرفهم، رغم وجود نواحٍ سلبية، بنسج علاقات أكثر تناغمًا معهم.

تقضي الطريقة الجيدة بتخيّل الحياة من دون الشخص الذي يثير لديك الشعور بالانزعاج والضيق أو الغضب أو العصبية أو أيّ شعور سلبي آخر. تخيّل نواحي حياتك اليومية كلها من دون هذا الشخص، كل ما ستفقده إذا لم يكن في مكان ما في حياتك، تخيّل العناصر التي تزعجك وتلك التي تعجبك أيضًا. سترى في نهاية الأمر أنك تفضّل أن تعرف هذا الشخص ما يسمح لك بأن تنظر بطريقة مختلفة وأقل حدة إلى ما تراه لديه من نواحٍ سلبية.

تعلّم أيضًا ألا تركّز على السلبي بل ابحث عن المزايا كافة.

أتذكر منزلاً كنت أزوره بانتظام. كان الباب المطلّ على الشارع قبيحًا فعلاً بحيث اعتدنا أن نسميه البرج المصفّح، لكن ما إن تجتازه حتى تجد نفسك في منزل جميل مع حديقة رائعة: إنه ملاذ آمن؟

إذا ما توقفنا عند الانطباع الأول لما رغب أحد في تجاوز عتبة البيت؛ وهذه خسارة كبيرة.

الأشخاص كهذا البيت: يمكن أن يطالعوك بواجهة منفّرة، واجهة تعكس عذابهم الداخلي، إنما يمكن أن يلمعوا ويشرقوا في ظروف مختلفة.

تذكّر تلك اللحظات السحرية التي عشتها مع أشخاص من محيطك إذ سيساعدك هذا على أن تتغاضى عن عيوبهم.

ما يناسب أحدنا لا يناسب الآخر حكماً.

يختلف ما يجعلنا فاعلين باختلاف الأشخاص. فالبعض تزداد فاعليته عندما يتعرّض للضغط في حين أن العكس يصحّ على غيره.

يعود لكل واحد منا أن يعرف الإطار الذي يناسبه وأن يرتّب أموره بحيث يجده حتى لو اضطر إلى تغيير محيطه.

فكّر في عطلتك: أتفضّل أن تبقى مستلقيًا على كرسي طويل في حين أن زوجتك تريد زيارة المعارف والأصدقاء؟ هذا هو المحيط الذي يجد كل واحد منكما فيه توازنه ويساعده على أن يجدد قواه بشكل فاعل.

إذن، لكل واحد منا محيط مناسب يمكنه أن يظهر فيه قدراته بسهولة وفاعلية أكبر.

والمثال على ذلك هو مدرّب الفروسية الذي قال لي إنه يحتاج إلى أن يُوبّخ ويُنهر كي يتمكن من القيام بما هو مطلوب منه.

إذن، يعمل بعض الأشخاص بشكل أفضل تحت الضغط أي ضمن مواعيد محددة وليس مع مواعيد حرّة. كحال هذه السيدة التي عليها أن تقوم بمداخلة أمام زملائها: لم تبدأ العمل على مداخلاتها إلا في الليلة السابقة لموعد المداخلة وأنهتها خلال الليل. أفهم أن تشكو من الضغط النفسي الذي تسببه لها فكرة ألا تنجح. لكن ما إن تحدد الآلية الكامنة (المهلة المحددة تطلق لديها زر الحافز وتسمح لها بأن تعمل بشكل فاعل)، حتى تتمكّن من التخلّص نهائيًا من الشعور بالذعر.

من ناحية أخرى، يُظهر بعض الأشخاص فاعلية كبيرة إذا ما علوا أنفسهم عن الآخرين كي يعالجوا ملفًا يتوجّب عليهم إنهاءه في حين أن البعض الآخر يمكن أن يحقق النتيجة نفسها إذا ما مارس نشاطًا آخر. خلال هذا الوقت، يفكّر هؤلاء في الملف من دون أن يركزوا عليه فعلاً ويُنجز العمل وحده عمومًا.

في النهاية، ما من طريقة واحدة تناسب الجميع بل تتوافر طرق عدة، لا سيما تلك التي تناسبك وتفيدك في وقت محدد وفي وضع محدد.

يعود لك أن تحدد الجو العام الذي يناسبك وأن تستفيد من معرفته كي توجده عندما تستطيع ذلك. عندئذ، تضع الحظوظ كافة إلى جانبك.