سياحة إيكاروسية

نشر في 31-08-2013
آخر تحديث 31-08-2013 | 00:01
 يوسف سليمان شعيب في معظم دول العالم التي تمتلك جزراً ذات طابع جمالي بيئي بحري أو بري، تكون حريصة على تفعيل دورها في السياحة والترفيه والتسلية.

والجزر التي تحتضن أرضها ومعالمها صوراً تاريخية وحضارة ثرية، توجب عليها الاعتناء بها لتكون وجهة لكل من يعشق ويبحث عن تاريخ الأمم وحضاراتها.

إن استغلال الجزر والاستفادة منها في السياحة، وإقامة المرافق الخاصة لذلك، يكون متنفساً للسكان والزوار، ومثبتاً للحدود الجغرافية للدولة.

والكويت تمتلك مثل تلك الجزر، فلا يخفى عليك عزيزي القارئ جزر دولة الكويت، من الشمال إلى الجنوب، (وربة- بوبيان- مسكان- فيلكا- عوهة- أم النمل- كُبّر- قاروة- أم المرادم)، تسع جزر، صحيح بعضها ذات مساحات صغيرة، ولكن تمتلك سواحل ساحرة وجميلة، إضافة إلى ثروة سمكية ومرجانية تضاهي معظم جزر العالم.

للأسف الشديد، فإن هذه الجزر مهملة من المفهوم السياحي، والإهمال فيها أيما إهمال، و"جزيرة فيلكا" أكبر دليل على الإهمال، فهذه الجزيرة التي يحتضن ترابها حضارة عريقة، وسار على سواحلها الإسكندر الأكبر المقدوني، وبنى فيها قريته التاريخية العريقة.

ولقد ذكر المؤرخ "أريان" في كتاباته عن جزيرة فيلكا أن في عام ١٧٠ قبل الميلاد، كان يطلق عليها اسم "إيكاروس" تيمناً بجزيرة إيكاروس الإغريقية الواقعة في بحر إيجة، ويقول المؤرخ اليوناني "اريستو بوليس" إن الإسكندر الأكبر أمر بتسمية الجزيرة بنفس اسم الجزيرة الموجودة في بحر إيجة.

إن جزيرة فيلكا (إيكاروس) والأحداث التي مرت عليها عبر العصور تجعلها محط أنظار وإقبال من قبل السياح، فهي تحمل في طيات تاريخها العريق العديد من الأحداث، والكثير من الذكريات والقصص، بالإضافة إلى المراجع العلمية والتاريخية، التي يرجع زمن بعضها إلى القرن السابع عشر وما قبل ذلك.

فالحياة في جزيرة "إيكاروس" نبضت منذ عام ٢٠٠٠ قبل الميلاد، حيث وجدت في طبقات أرض الجزيرة أوانٍ ومعدات وفخاريات تعود إلى ذلك الزمان، كما وجد فيها مقتنيات ترجع إلى حضارة دلمون العريقة.

فكل هذه الآثار لتلك الأحداث والحضارات، موجودة في متحف الكويت، بالإضافة إلى الأطلال التي مازالت موجودة في الجزيرة، كشاهد على عراقة وتاريخية الجزيرة وسكانها، فهي تستحق أن تُعتنى بالشكل الصحيح، وأن تكون محطة لفتح الآفاق على تلك الحضارات والأزمنة البعيدة والأحداث التي مرت عليها وعلى قاطنيها.

اليوم جزيرة فيلكا وبعد نزوح سكانها بسبب الغزو الصدامي الغاشم، تم إهمالها وإهمال كل جزء فيها، صحيح أننا سمعنا بمشروع تطوير الجزيرة لتكون ذات طابع سياحي ترفيهي استجمامي، ينبهر منه القاصي والداني، ولكن، فمنذ التحرير إلى هذه الساعة، لم يضرب في الجزيرة مسمار واحد للمشروع العظيم، ما الأسباب؟

الجواب عند المسؤولين، وعلى نواب الأمة فتح هذا الملف الذي تأخر سنوات عديدة، والذي إذا أنجر فسيكون مورداً على البلد بالمبالغ الكثيرة من خلال السياحة في "إيكاروس" وغيرها من الجزر.

بإمكاننا عمل جو للسياحة الاستجمامية والترفيهية والتاريخية، مع الحفاظ على ثوابت الدين والعادات والتقاليد، فهذا الأمر ليس بمستحيل، والجزيرة فيها كل مقومات الحياة، فالبنية التحتية موجودة، والمباني قائمة لا تحتاج إلا إلى صيانة دورية، وتعد الجزيرة لؤلؤة في مياه الخليج العربي.

لندع الصراعات على من يفوز بهذه المناقصة، ولنضع أمام أعيننا مستقبل البلد، ولا يمنع أن تشترك كل الشركات الخاصة في إنجاز هذه المنارة كل حسب تخصصه، أو يسند المشروع إلى الشركات العالمية لتنفذه.

وفي مقابل إنجاز هذا المشروع، ستكون حركة النقل البحري، والسياحة البحرية بين الجزر أمراً في غاية الروعة، ففي الكويت شركات خاصة للنقل، وتمتلك الترخيص في قطاع النقل البحري، مما يجعلها رديفة لشركة النقل العام.

وتفعيل هذا النشاط الحيوي له فوائد جمة لا يسعني ذكرها هنا، ولكن أهم تلك الفوائد تفعيل جانب مهم في عملية النقل، والذي سيكون له التأثير الإيجابي على اقتصاد البلد.

السياحة في "إيكاروس" وبقية الجزر وسواحل الكويت، أكبر مكسب للبلد واقتصادها.

فما أنا لكم إلا ناصح أمين.

back to top