في لحظة فارقة من تاريخ مصر، ومن تاريخ التحول الديمقراطي في العالم كله أصبح د. محمد مرسي رئيساً لمصر، عبر صناديق الانتخابات. وفي لحظة فارقة من تاريخ مصر، خرجت الملايين بعد عام كامل من توليه السلطة، تقول له "ارحل". وقدر عدد من خرج يوم الرحيل، يوم 30 يونيو بثلاثة وثلاثين مليون مواطن.
وبلغ عدد من وقع على استمارات الرحيل، والتي تسحب الثقة من الرئيس اثنين وعشرين مليون مصري، وقام بإعدادها شباب حركة تمرد، الذين أعدوا لهذا الحشد الهائل الذي شاهده العالم أجمع.وفي رابعة العدوية، في مفارق الطرق الأربعة أمام جامع رابعة، احتشد الألوف من أنصاره في جمعة "لا للعنف" في 21/ 6/ 2013 التي وصفها الرئيس في خطابه في التجمع الكبير في استاد القاهرة لنصرة سورية، بأنها كانت مليونية حضارية.فماذا قال خطباء هذه الحشود الحضارية، في جمعة "لا للعنف". التي أصدق ما يطلق عليها من وصف هو جمعة "التهديد والوعيد". فقد توعد أحد خطبائهم، كل من ينزل يوم 30 يونيو، بسيارات مفخخة. وتوعد آخر المتظاهرين يوم الرحيل بأنهم سيسحقون سحقاً.وخطب ثالث في هذا الحشد، "إني أرى- رأي الحجاج- رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، واني لقاطفها بإذن الله".ويشبه أحدهم الرئيس بالرسول عليه الصلاة والسلام، فيروي عن الرسول عندما طلب البيعة، سأله المسلمون، نبايعك على ماذا، قال لهم، على السمع والطاعة.ولا تدخر الفضائيات وسعاً في تأليه الرئيس، فأحدهم يطلب من أحد العرافين المنتمين للجماعة، تفسيراً لحلم حلمه، بأن د. محمد مرسي كان يجلس وسط جماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنودي للصلاة، وانتظرت الجماعة أن يصلي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول بل يؤمنا د. محمد مرسي.وآخر يطلب تفسيراً لحلم أنه رأى د. محمد مرسي، وعلى كل كتف من كتفيه أربعة حمائم خضراء، فيقول العراف، إن تفسير حلمك هو أن الرئيس سينتخب لمرة ثانية. ولأربع سنوات أخرى.ولكن الشعب المصري خرج عن بكرة أبيه يوم 30 يونيو في مسيرات وحشود في ميادين مصر كافة لا يعبأ بهذا التهديد والوعيد، ولا يلقي بالاً للمتربصين به، لقتله وسحقه والفتك به، ليقولوا لرئيس مصر المنتخب، بعد عام كامل من انتخابه "ارحل" فما عدنا نطيق صبراً على بقائك ثلاثة أعوام أخرى، تنتهك حرمة الدستور وحرمة القضاء، وكل الحرمات، وتقسم الشعب وتفرقه، وتعود بنا القهقرى إلى عصور الظلام وإلى محاكم التفتيش في العصور الوسطى، وتمسك بقبضة فصيلك الحديدية على كل مفاصل الدولة، بعد أن تعدم كل المؤسسات الدستورية.وهي لحظة فارقة كان لابد أن يتدخل فيها الجيش ليحمي المتظاهرين، ليحمي الملايين التي خرجت تعبر عن رأي الشعب في حاكم لم يفِ بكل وعوده التي وعد بها الشعب، وحنث بكل عهوده في أن يكون رئيساً لكل المصريين، يوحد ولا يفرق، يحترم الدستور والقوانين، ويزود عن مصالح شعبه وعن أمواله وعن أرض مصر، التي استباحها الإرهابيون من أنصاره، يزرعون فيها الخوف والرعب، ويقتلون ضباط الجيش والشرطة لترويعهم، ولنزع غطاء الأمن والأمان عن هذا الشعب الأبي.وأعلن الجيش كلمته، وكانت كلمة حاسمة فاصلة. لقد انحاز إلى الشعب، وإلى انتخابات رئاسية مبكرة تصحح مسار ثورة 25 يناير المجيدة، معلناً خريطة الطريق التي ارتضتها كل القوى السياسية المدنية والإسلامية، عدا فصيل الرئيس وجماعته، الذين اختبأوا كالجرذان بعيداً عن هذه الحشود الهائلة التي تطالب الرئيس بالرحيل، إلى أن حانت ساعة الصفر، ونطق المرشد العام للجماعة بكلمة السر في خطابه الذي ألقاه في رابعة العدوية، فانطلقوا يطلقون النار على كل من يرونه في الشوارع والطرقات.وهم يراهنون على حماية الإدارة الأميركية، التي وجدت ضالتها في هذا الرئيس وفي هذه الجماعة، التي سرقت ثورة الشعب، وقدمت للإدارة الأميركية كل ما تريده من تنازلات وضمانات، فالجماعة ستضمن أمن إسرائيل، وستحمي المصالح الأميركية في المنطقة.إنه رهان خاسر أمام إرادة شعب رفض التبعية، ويرفض القهر والظلم، يفسخ عقداً اجتماعياً أبرمه مع الرئيس المنتخب الذي قال فكذب، ووعد فأخلف، وأؤتمن فخان، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام، من غش أمتي فليس مني.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
مقالات
ما قل ودل: إنها إرادة شعب لن تقهر
07-07-2013