قضت محكمة جنايات القاهرة بوقف السير في إجراءات الدعوى الجنائية في قضية أحداث شارع محمد محمود بسبب العفو الرئاسي الذي شمل المتهمين، كما قررت إحالة الدعاوى المدنية إلى المحكمة المختصة بلا رسوم.

Ad

وكان قاضي التحقيق المنتدب من وزارة العدل قد أحال 379 متهماً إلى محكمة الحنايات بتهمة التجمهر مع مجهولين خلال الفترة من 19 نوفمبر 2011 حتى الأول من ديسمبر 2011 بدائرتي قسمي عابدين وقصر النيل بمحافظة القاهرة؛ بغرض ارتكاب جرائم الاعتداء على رجال السلطة العامة والخاصة حاملين أسلحة وأدوات شأنها إحداث الموت والإصابات.

كما ارتكبوا العديد من الجرائم واستعملوا وآخرين مجهولين القوة مع موظفين عموميين وأشخاص مكلفين بخدمة عامة لحملهم بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفتهم، وتعدوا على ضباط وأفراد الشرطة المنوط بهم تأمين مقر وزارة الداخلية والمباني الحكومية الموجودة بالمنطقة المحيطة بها لمنعهم من حماية هذه المنشآت، مستخدمين الأسلحة النارية والبيضاء والعبوات الحارقة والحجارة.

 وعقب صدور الحكم ردد المتهمون الحاضرون بالجلسة هتافات ضد الحكم، مؤكدين براءتهم رافضين قرار العفو الرئاسي، كما هتفوا بسقوط حكم المرشد، ويشيرون في ذلك إلى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.

هذا ما أوردته صحيفة الأهرام المصرية على صفحتها الأولى في عددها الصادر في 20 يناير، وهو ما ألزمني أن يحمل عنوان المقال هذا التساؤل: لماذا رفض المتهمون العفو الرئاسي؟!

والإجابة واضحة في الهتافات التي أطلقها المتهمون، في أن هذا العفو يبقيهم مدانين بالعار الذي لحق بهم من جراء الجرم الذي نسب إليهم.

حرمان المتهمين من المحاكمة العادلة

فالعفو الرئاسي يكون بذلك قد حرم المتهمين من حقهم المشروع في الدفاع، وهو أصل الحقوق والحريات جميعاً.

فالاتهام الجنائي الذي وجه إلى هؤلاء المتهمين، بارتكاب الجرائم سالفة الذكر، قد خلق واقعاً جديداً يناقض افتراض البراءة في الإنسان، وهي قرينة ترتبط بالإنسان منذ ميلاده، إلى أن يصدر حكم قضائي ونهائي بات يتناقض وهذه القرينة، بإدانة المتهم في إحدى الجرائم، من واقع ما قدمته جهات التحقيق من أدلة وبينات، ومن واقع ما حققته المحكمة بنفسها من وقائع الاتهام ومحصته من أدله وأوجه دفاع المتهمين.

فمن حق المتهمين في هذه القضية، عرض دعواهم وطرح أدلتهم والرد على ما يعارضها، وأن يكون لهذه الجرائم التي نسبت إلى المتهمين- في نهاية مطافها– حل منصف يمثل الترضية القضائية الكافية بإثبات براءتهم، بحكم جنائي ونهائي وباتٍّ، يعلنونه وساما على صدورهم، إن كانوا أبرياء من كل اتهام وجه إليهم.

ومن هنا فإن قرار العفو الرئاسي، يكون قد حال بين المتهمين وحقهم المشروع في محاكمة عادلة منصفة.

انتهاك حقوق المجني عليهم

ولم يقتصر قرار العفو الرئاسي على انتهاك حقوق المتهمين، بل جاء كذلك انتهاكا لحقوق المجني عليهم، فقرار الاتهام وإحالة  المتهمين إلى محكمة الجنايات، قد تعلق به كذلك حقوق المجني عليهم.

ولا يكفي للحفاظ على هذه الحقوق، قرار محكمة الجنايات بإحالة الدعوى المدنية المقامة أمامها إلى المحكمة المدنية المختصة بغير رسوم، فحقهم في القصاص لا يزال قائما، كما أن حق المجتمع في القصاص ما زال قائما، ذلك أن هذه الجرائم التي وردت في قرار اتهام هؤلاء المتهمين، قد تمخضت عدوانا على المرافق العامة بمنع الموظفين العامين من تأدية وظائفهم، وترويع المواطنين، وتهديد السلام الاجتماعي.

عدوان على العدالة

 ذلك أن حماية العدالة هي إحدى أهم القيم والمبادئ التي تقوم عليها المجتمعات في ظل التحول الديمقراطي الذي يعيشه العالم الآن،

ولا تتأتى هذه الحماية إلا من خلال الالتزام بمجموعة من القيم التي تكفل للمتهم الحد الأدنى من الحماية والحقوق التي لا يجوز النزول عنها، وأنه لا يجوز كذلك نقض افتراض البراءة في المتهم، بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتكون جماع عقيدتها، ولازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها، وأن تقول هي وحدها كلمتها فيها.

 ومن هنا فإن محكمة الجنايات تكون قد وقعت في خطأ بوقف السير في الدعوى الجنائية، استنادا إلى قرار العفو الرئاسي، الذي وقع في حومة مخالفة الدستور والمبادئ الدستورية المستقرة التي لا تجيز للرئيس إصدار هذا العفو إلا بعد صدور حكم قضائي نهائي باتٍّ بالعقوبة، وهو ما سندلل عليه في مقال قادم باذن الله.