هذه ليست مسرحية هزلية... برغم كمّ الهزل والسخرية فيها، وهي وإن كانت مضحكة، وإن كانت مسيلة للدموع أيضاً ليست نكتة، هي فقط إحدى فصول تراجيديا سياسة الأنظمة العربية المفجعة، السيد «وليد المعلم» يعلن من روسيا قبول نظامه بفكرة تدمير كل ما بحوزته من أسلحة كيماوية في مقابل تنازل الولايات المتحدة الأميركية عن القيام بضربة عسكرية «محدودة» ضد النظام السوري!

Ad

بحّ صوت الولايات المتحدة وهي تردّد أن العمل العسكري ضدّ سورية سيكون محدوداً، ولن يؤدي بأي حالٍ من الأحوال إلى سقوط النظام الحاكم، ولن يغيّر من موازين القوى في سورية لصالح الثورة، ومع ذلك ما ان «زلّ لسان» السيد «كيري» وزير الخارجية الأميركي بأن تسليم سورية لسلاحها الكيماوي «قد» يجنّبها «محدودية» العمل العسكري، حتى اعتبر النظام السوري ذلك بمثابة القشة التي ستنقذه من الغرق، وبادر على الفور بالموافقة على «زلّة اللسان» تلك، وساهمت روسيا بنفخ الهواء إعلاميا وسياسياً في ذلك البالون!

المضحك أن الولايات المتحدة حاولت التملص سريعا من هذا «المطب السخيف» التي أوقعها به السيد «كيري» بعد كل الجهود السياسية التي قامت بها لحشد الدعم داخليا وخارجيا لصالح القيام بعمل عسكري ضد النظام السوري لينقذها من الإحراج السياسي حسب قولها، في المقابل حاولت روسيا التمسك بذلك «المطب الأميركي» إنقاذاً لحليفها وإحراجاً للولايات المتحدة الأميركية في ذات الوقت.

سورية كانت قبل أيام قليلة فقط من «زلة اللسان» تلك قد أكّدت وعلى لسان مندوبها في الأمم المتحدة السيد «الجعفري» أنها لن تتنازل بأي شكلٍ من الأشكال عن سلاحها الكيماوي والذي يعتبر سلاحاً استراتيجياً، إلا في حال سرى ذلك على المنطقة كلها وكانت تقصد بذلك إسرائيل تحديداً.

هذا السلاح الذي عمل النظام السوري سنوات طويلة على امتلاكه، بحجة تعديل ميزان القوى في المنطقة لمواجهة اسرائيل، واستمرارا لدوره القومي المزعوم طوال هذه السنين كحصنٍ حصين ضد كل المخططات الغربية الاستعمارية في المنطقة.

الآن أعلن النظام السوري موافقته على التخلي عن سلاحه الاستراتيجي هذا بلا قيد أو شرط سوى ضمان السلامة لا أكثر!

سنوات ومقدرات الشعب السوري مستباحة لامتلاك تلك الترسانة العسكرية من أجل ذلك الهدف القومي،

سنوات والرغيف يُختطف من أفواه السوريين،

سنوات وحليب الأطفال «يُقَنَّن» في كل رضعة،

سنوات والغيّاب في سُجون النظام لا يعودون،

سنوات وكل الأبواب موصدة في وجه الشمس ووجوه غالبية الشعب السوري،

سنوات وكمّ المناديل لا يكفي الحاجة لمسح الدمع.

كل ذلك لدعم القوة العسكرية بما يكفي من المال لحماية أرواح السوريين ضد الأرواح الشريرة!

الآن أعلن النظام وبطرفة عين تخلّيه عن كل ذلك «حفاظاً على أرواح السوريين وأمن سورية»!! حسب تصريح السيد المعلّم في مؤتمره الصحافي في روسيا!

علماً بأن هذه الترسانة العسكرية «الوطنية» بما فيها السلاح الكيماوي حَصَدَت ما يزيد عن مئة ألف شهيد من أرواح السوريين خلال السنتين الأخيرتين فقط!