ظهرت إعلانات تجارية لمشروبات غازية وشركات اتصالات ونظارات ضمن أحداث أفلام كثيرة وبشكل لافت، لعل آخرها «على جثتي»، من بطولة أحمد حلمي وغادة عادل.

Ad

يتضمن الفيلم إعلاناً لإحدى شركات المحمول، وقد تم التركيز عليه في أكثر من مشهد حتى اعتبره البعض نموذجاً صارخاً لسطوة الإعلان على العمل الفني. كذلك الحال في «الحفلة»، من بطولة أحمد عز ومحمود رجب وجومانا مراد، إذ تجري الأحداث في مجمع تجاري ضخم ذكر اسمه أكثر من مرة، وظهر إعلان آخر لأحد خطوط المحمول.

ظاهرة عالمية

يوضح مدير القطاع التجاري في شركة «فودافون» عماد الأزهري أن الشركة تنتدب ممثلاً عنها لقراءة سيناريو الفيلم والاتفاق مع المنتج على المشاهد التي يظهر فيها الإعلان، على أن يبرز الشعار بشكل وحجم معينين. ويضيف أن وجود الإعلان في أي عمل فني هدفه تأكيد الشركة على مثالية الخدمة التي تقدمها لأعضائها، على أن يظهر الإعلان بشكل ضمني داخل الفيلم لا أن يُقحم في الأحداث، كما حصل في «بلبل حيران» من بطولة أحمد حلمي.

يؤكد المنتج ممدوح الليثي بدوره أن هذه الظاهرة ليست محلية بل عالمية، موضحاً: «في ظل الفارق الكبير بين الإنتاج الضخم والإيرادات المنخفضة يلجأ المنتجون إلى وسائل لتقليص هذا الفارق من بينها الإعلانات، فيتمّ التعاقد عليها مع صاحب المنتج وتحديد الطريقة التي يظهر فيها، مثلا إذا كان الإعلان عن نظارات شمسية فيظهر في المشاهد النهارية فقط وهكذا».

أما المنتج جمال العدل فيشير إلى ضخامة العائد من وراء هذه الإعلانات التجارية، وإلا لما اتبعها المنتجون كمبدأ في غالبية أفلامهم، ويلفت إلى أنه في بعض الحالات لا يتقاضى المنتج مقابلا مادياً عن الإعلان الذي يظهر في الفيلم فيتم التمويه عنه، مثل إخفاء اسم ونوع السجائر التي يشربها البطل إذا كان مُدخّناً، أو إخفاء نوع العصير الذي يشربه ووضعه في كوب أو تظليل اسمه.

ويرفض العدل وجود إعلانات «فجّة» في الأعمال التي ينتجها، كأن ينزل البطل من سيارته في الطريق ليقف أسفل لافتة إعلان منتج ما ثم يعود إلى سيارته، أو أن يطلب من صديقه أن يحدثه هاتفياً على رقمه المنتمي إلى إحدى شبكات المحمول، أو تصوير شعار سيارة لإظهار اسمها ونوعها، أو الإشارة إلى أنها أفضل سيارة في العالم... معللا رفضه بأن هذه الإعلانات التجارية تقلل من قيمة العمل.

عائد ضعيف

يؤكد المنتج هاني جرجس فوزي أن العائد من الإعلانات التجارية في الأفلام ضعيف رغم أن ثمة منتجين يستطيعون جلب إعلانات مقابل 800 ألف أو مليون جنيه، لكن هذه المبالغ لا تمثل شيئاً في أفلام تصل كلفتها إلى 15 مليون جنيه، إلا أنها تتمتع بقيمة في الأفلام المتوسطة الكلفة.

لا يرى جرجس عيباً في وجود هذه الإعلانات لكن مشكلتها أن مندوبيها يريدون حضوراً قوياً لمنتجهم في أكثر من مشهد مقابل مبلغ قليل، وهي معادلة غير مقبولة بالنسبة إليه، ذاكراً بعض المخرجين الذين يستطيعون الحصول على إعلانات مناسبة من بينهم: شريف صبري وطارق العريان بحكم عملهما السابق في إخراج الإعلانات.

يضيف جرجس أن حلمي استطاع، من خلال شركته المنتجة، الحصول على إعلان الهاتف المحمول بمبلغ كبير في فيلمه «على جثتي»، وأن المنتج عموماً يمكنه تأمين مورد ضخم من الإعلانات، خصوصاً إذا تعاقد بنفسه عليها مع الشركات.

ظاهرة طبيعية

تؤيد الناقدة ماجدة خير الله وجود الإعلانات التجارية في الأفلام، وترى أن المقياس النهائي للحكم على هذه الظاهرة هو عرضها بشكل طبيعي ضمن الأحداث وليس إقحامها فيها؛ فلا يشعر المشاهد بأن الإعلان جاء في غير موقعه، وتقول: «تعرض السينما الواقع ونحن في حياتنا نتخبط في كثير من المنتجات التي يعتبر مجرد ظهورها على الشاشة إعلاناً».

تضيف أن الإعلانات التجارية في الأفلام ليست اختراعاً أو أمراً مستحدثاً، فهي حاضرة في السينما العالمية، «مثلاً أفلام النجم الأميركي توم هانكس مليئة بالإعلانات، من بينها CAST AWAY (2000) الذي ظهر فيه إعلان لإحدى شركات نقل البضائع والبريد السريع، وكلما ضلّ طريقه في الجزيرة حيث وجد نفسه وحيداً فيها، صادف طروداً منقولة من هذه الشركة تساعده، كذلك أفلام جيمس بوند الناجحة نجد فيها إعلانات لمسدسات».

تمثل الإعلانات أحد مصادر تمويل الأفلام المهمة، في رأي الناقدة خيرية البشلاوي، يستخدمها المنتجون لمواجهة الأزمات المالية التي تمر بها صناعة السينما راهناً، وتضيف: «لكن تكمن المشكلة في إساءة بعض المنتجين استخدام هذه الوسيلة، من بينهم الشركة المنتجة لفيلم «على جثتي»، إذ ظهر إعلان شركة الاتصالات بشكل «فجّ» وتكرر أكثر من مرة مع وجود البطلين الرئيسين أحمد حلمي وحسن حسني فوقه، وهو ما أساء إلى الفيلم ذاته، لأنه يفترض أن يخدم الإعلان الفيلم وليس العكس، وقد اهتم المخرج بالترويج للمنتج أكثر من عرض أحداث الفيلم، ما أفقد العمل جزءاً من قيمته».

ترى البشلاوي أن حلمي وفر جزءاً كبيراً من دخله كمنتج بعد تعاقده مع المعلنين، فهو بطل الفيلم ومنتجه وجالب الإعلانات، وذلك كله أضر به؛ إذ تحوّل العمل السينمائي إلى سلعة تروّج لسلعة أخرى، ما أفقده كبرياءه الفنية.

وتلاحظ أن الأفلام الأميركية تتضمن «مشاهد» إعلانية لا مجرد لقطات، يتم إخراجها بشكل دقيق غير ملحوظ، «بينما لا يتفهم المعلنون لدينا هذه النقطة ويركزون على حجم المشاهد وعددها وتكرارها في جزء معين، بناء على القوة التي يملكونها وهي المال».

أخيراً يرفض الناقد إمام عمر فكرة الإعلانات التجارية معتبراً أن الوضع الأمثل لها إما قبل الفيلم أو بعده وليس ضمنه، لأنها تفصل المشاهد عن متابعة الأحداث وتسرق تركيزه لصالحها، لافتاً إلى أن الفنان الوحيد الذي وعى خطورة هذه الخطوة هو محمد صبحي، إذ طلب من التلفزيون المصري عدم إذاعة أي إعلانات داخل أعماله الدرامية.

يضيف عمر أن خطورة هذه الإعلانات تتمثل في تقديم مشاهد مخصصة لعرض الإعلان، ما قد يؤثر على مسار الأحداث ويفقد الفيلم إعجاب المشاهد.