عزلة السناجب

نشر في 20-05-2013
آخر تحديث 20-05-2013 | 00:01
 فوزية شويش السالم "عزلة السناجب" هو الديوان الثالث لرجاء الطالبي، التي ما قرأت لها شيئا قبل هذا الديوان، وكنت قد سألت صديقي الناقد محمد معتصم بعد الإلماح الذي يرد في مسجاته على "فيسبوك" عنها، وكنت أظنها من معارفه، إلى أن كتب يوما عن حيرته في اختيار هدية عيد ميلادها، فسألته من هي رجاء الطالبي هل هي زوجة أم شاعرة أم قصاصة أم صديقة، وتعمدت أن أقول زوجة حتى لا يُفهم منها أنها زوجته، فربما ليست كذلك، وكان رده أنها كل ذلك وأكثر.

من بعدها تعارفنا على "فيسبوك"، ومن صورتها الأولى أدركت كينونتها وأحسستها بالكامل حتى من دون لقاء، وكأن الأرواح تتشابه أيضاً.

وكان تخميني في محله، فحين قرأت ديوانها ثبت إحساسي ويقيني في الصورة التي كونتها عنها، عن تلك الكرستالة الشفافة التي تقبع في منزل الناقد المبدع محمد معتصم، ولا أظن أن له تأثيرا في ما كتبته رجاء، فديوانها الشعري هو صورة فوتوغرافية عن شخصيتها الوجودية المتأملة في صمتها وعزلتها الشفافة الذائبة في الطبيعة، وخبايا النفس ومعرفتها والتعرف عليها، وعلى علاقتها مع الأشياء والكون، شعرها ينضح الوجود من ثغراته وتتنفس الطبيعة من مسامه، فهو يكاد يكون صورا فوتوغرافية لها:

1- "كما المياه/ أجلس قبالتك/ أيها الوجود/ أُبادلك الأنفاس"./"ضوء/ لكن ليس بكثير/ حتى لا يفيض عن كأسي،/ فقط ما يحتاجه/ قلبي الذي أنهكه/ هذا الخفقان الجياش"./"موطن السناجب عزلتي،/كلما الصمت دعاني،/ انبجست الغابة".

2- "في الظلال المعتمة/ لجذوع الغابة/ في الرفرفة الخفيفة/ لأرواح لا مرئية،/ في زقزقة المفاجأة / تكسر مهابة الصمت،/ في الشعاع اليتيم/ المنبلج من صمت/ التربة والجذور المتثائبة،/ أسري بدون أجنحة".

شعر رجاء مليء بقلق وجودي يهز روحها المتأملة واللابدة في كينونة المراقب الحارس لما يشاهده ويعده ويحصيه.

 3- "أشتغل عليك أيتها الموجودات/ كيف أمنحك ضوء مني/ يحقق وجودك/ أسميك لتكوني،/ قبلي أنت مجرد خرس/ ينتظر لسانا".

4- "أغلق عزلتي،/ أنصت ليدي تحفر في هذا الليل".

5- "تصدعات مرصعة كغبار الطلع".

وجدت في شعرها تشابها كبيرا مع شعري ناتجا من حبنا للعزلة وللصمت وللطبيعة، وامتلاكنا لروح حارس الوجود المحصي والمتأمل لما حوله، وهذا مما سهل لي وعمق معرفتي بها، لم أجد أي اختلاف بين شخصيتها وشعرها، فهما متطابقان، فشعرها يشبهها، وذلك عكس بعض الشعراء والكتاب الذين أجد كتاباتهم تختلف تماما عنهم، ما يبعث على الحيرة والبلبلة في معرفتهم.

رجاء اشتغلت على نحت لغتها في محاولة لإبقائها على جوهرها فقط وتقشير بدنها من الفائض عنها حتى تصل إلى ما قل ودل منها: 6- "انحتيه وجودك الشعري/ تخلصي من الدهون الزائدة".

7- "أجففها اللغة لم يعد يشدني ثراء تقدمه أطباقها المتخمة".

كما أنها وظفت المعنى الصغير للحدث في رؤية ومعنى أكبر لتصبح الذات هي الكون: 8- "وحدي،/ وهذه الشوكة/ مغروسة في إبهامي،/ لا توجعني،/ لكني منشغلة/ بانتزاعها".

9- "كل مخاطرة/ كل جرح/ كان يحفر عميقا/ نحو موطني في الأعماق". 10- "أمشي/ وكأنني مياه نهر/ لا تكف عن الجريان/ أمشي/ تلك أفكاري/ تنساب فوق حجارة/ تعترض مسيرها،/ أمشي/ فلا أرى/ سوى ماء يداهم النظرة".

11- احتست الريح/ رويدا رويدا/ وعندما قامت لتمشي/ كانت تميس/ مرات فكرت أن أمد يدي/ كي أحمي سقوطها المرتقب،/ تلك الوردة".

ديوان رجاء ربط بين المشاعر الإنسانية والطبيعة، امتزجت حتى الذوبان، وبات كأنها عشبة في مروجها الراعشة بنسيم لا يكف عن الخفقان: 12- "تجعل من جسدك بستانا أتنزه فيه كما أشاء،/ أقطف زهوره، أتذوق فواكهه، أستطيب شذاه،/ أحتسي مياهه، أسكر من عنبه، وعندما أتعب/ تعانقني ظلاله لأنام".

13- "متى استبدلت الكلمات/ بالجسد/ لا أحب/ إلا احتراقا". 14- "أترك قدمي هذا النهار/ تلتقطان خطو الحياة/ من وريد الوقت/ يفيض بي هذا الوهج/ أحتجزه في صقيع الصمت/ خوفا عليه/ من عربدات الهباء".

لكن تبقى في النهاية أحاسيس الشاعر أكبر من القصيدة، ويبقى ترويض هذه المشاعر وتدجين عنفوانها في كبسولة شعرية هي أزمة كل شاعر: 15- "في متناول العين/ واليد والإحساس،/ لكن كيف أحوله/ إلى كلمات،/ تقول قصيدتي". 16- "حيث يذهب بي صمتي أعرف أنني لن أعود خائبة".

back to top