مساجدنا سورنا
المساجد هي بيوت الله، ومهما اختلفت الاجتهادات الفقهية يجب أن تظل قدسيتها وطهارتها وأمنها محل تقدير الجميع، وهي جزء من الممتلكات العامة التي لا تتبع أشخاصاً بأسمائهم ومواقعهم إنما قبلة للمصلين وملاذ للآمنين، ولا يمكن لأي ثقافة أو فكر منحرف بل لا يمكن لأي سلطة أن تطمس معالمها أو تخمد نورها.
ظاهرة التهجم على المساجد وبصورة متعمدة ومتكررة لا تخرج عن سياق الاحتقان والتحريض الطائفي الذي ابتلينا به في الآونة الأخيرة وبدوافع سياسية بحتة، والاعتداء على مسجد البحارنة أخيراً يعكس هذا النفس البغيض لأنه فعل تكرر من قبل تجاه المسجد نفسه.ومن خلال تجربة شخصية سابقة حيث تعرض مسجد الصديقة فاطمة الزهراء- عليها السلام- لحوادث مشابهة حرصنا على احتوائها وعدم السماح لاستغلالها إعلامياً تبين أن من يقومون بمثل هذه الأفعال مجرد أطفال أو مراهقين، ولا يحملون أي فكر أو توجه إنما دفعتهم الحماسة والحماقة الطفولية الناشئة من التعبئة الطائفية في المحيط الاجتماعي والثقافي الذي يعيشونه.
كما أن هذه المشاغبات ليست حكراً على طائفة معينة، فالتغذية الطائفية صارت متقابلة ومتبادلة، وإن لم تنفس بالاعتداء على المساجد، خصوصا قيد الإنشاء أو إتلاف محتوياتها أو الكتابة المسيئة على جدرانها، فإنها تعبر عن نفسها بمختلف الصور والأشكال. والخطورة هنا تكمن في استغلال فئة المراهقين والأطفال دائماً للتعبير عما يختلج صدور الكبار ولا يتجرؤون على القيام به، واعتبار عملهم في حال القبض عليهم أو كشفهم بأنهم طائشون وتجب مسامحتهم حتى لا تتفاقم المشاكل، وهذا التبرير قد يكون منطقياً إلى حد ما، ولكن بالتأكيد يزرع في قلوب هذه الشريحة البريئة بذور الحقد والكراهية والتعصب الأعمى، وإذا لم يعالج هذا المرض فبالتأكيد يمكن أن يستفحل إلى مرض سرطاني سريع الانتشار في مجتمع أصبح هشاً ومخترقاً من كل حدب وصوب.فهذه الأفعال المريضة وإن كان مرتكبوها المغرر بهم من الأطفال "الشياطين" حسب التعبير الكويتي، فإن آثارها وتبعاتها النفسية ستجد طريقها إلى عقول وقلوب الجميع دونما استثناء. فالمساجد هي بيوت الله، ومهما اختلفت الاجتهادات الفقهية يجب أن تظل قدسيتها وطهارتها وأمنها محل تقدير الجميع، وهي جزء من الممتلكات العامة التي لا تتبع أشخاصاً بأسمائهم ومواقعهم إنما قبلة للمصلين وملاذ للآمنين، ولا يمكن لأي ثقافة أو فكر منحرف بل لا يمكن لأي سلطة أن تطمس معالمها أو تخمد نورها.هذه هي الرسالة التي يجب أن توجه إلى المحرضين لهؤلاء الفتية، ففي الاتحاد السوفياتي السابق وأيديولوجيته الإلحادية وأدواته البوليسية لم يتجرأ هذا القطب الذي هيمن على نصف العالم من التعرض للمساجد، وتجارب التاريخ التي شهدت التجاسر على المساجد بينت أنها تعود وتبنى وإن هدمت ويزداد مرتادوها وإن تعرضت للانتهاك بل تزيد قوة وإرادة.وبادرة طيبة أن يستنكر الجميع مثل هذه الجرائم، وأن يترك القانون يأخذ مجراه ويحاسب الصغير والكبير ممن تسول له نفسه العبث بأمن الدولة، ولكن يجب أن نزرع في الوقت ذاته روح التآخي والتعايش الأخوي بين الجميع في المساجد وفي كل مرافق بلدنا التي هي ملكنا جميعاً، وإن كان هذا الجو الجميل يمرض في ظله المصابون بالربو الطائفي والحساسية المزمنة!