عالم أفضل موجود هنا

نشر في 21-10-2013
آخر تحديث 21-10-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت تجادل المتشائمون والمتفائلون لقرون عدة عن حال العالم، فالمتشائمون يرون أن وجود بشر أكثر في هذا العالم يعني وجود طعام أقل، ويرون كذلك أن تصاعد الطلب على الموارد يعني استنفاداً للموارد واندلاعاً للحروب، وفي العقود الأخيرة صار ينظر إلى تعزيز الطاقة الإنتاجية على أنها تؤدي إلى التلوث وارتفاع درجة حرارة الأرض. ومن النصوص المقدسة للجيل الحالي من المتشائمين يأتي كتاب "حدود النمو"، الذي لايزال يؤثر على الحركة البيئة حتى يومنا هذا.

وفي المقابل، فإن المتفائلين يدَّعون بكل أريحية أن كل شيء -صحة الإنسان ومستويات الحياة وجودة البيئة وهكذا دواليك- في تحسن. إن معارضيهم يشبهون هؤلاء بالاقتصاديين المتفائلين الذين يؤمنون بأن السوق سيصلح جميع المشاكل.

لكن عوضاً عن التركيز على بعض الحقائق والقصص من أجل إثبات النظرية الكبرى المتعلقة بالانحدار أو التقدم، يتوجب علينا أن نقارن جميع جوانب الوجود الإنساني من أجل معرفة ما إذا كان العالم في وضع أفضل أو أسوأ. لقد حاولت أن أقوم بذلك مع 21 من أفضل الاقتصاديين بالعالم، حيث قمنا بتطوير بطاقة نتائج تمتد إلى فترة 150 عاماً. لقد أجاب الاقتصاديون عن السؤال نفسه الذي يتعلق بعشرة مجالات تشمل الصحة، والتعليم، والحرب، ونوعية الجنس، (ذكر وأنثى)، وتلوث الهواء، والتغير المناخي، والتنوع البيولوجي، وهو: ما التكلفة النسبية للمشكلة في كل سنة منذ عام 1900 حتى عام 2013؟ وما التوقعات حتى سنة 2050؟

لقد استخدم الاقتصاديون تقييمات اقتصادية كلاسيكية لكل شيء بما في ذلك خسارة الأرواح، وسوء الصحة، والأمية، وتدمير الأراضي المطيرة، وزيادة الضرر من الأعاصير بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض. وقد أبرز الاقتصاديون تكلفة كل مشكلة على حدة، ومن أجل تقدير حجم المشكلة تمت مقارنتها بإجمالي الموارد المتوافرة للاستخدام. يعطينا هذا حجم المشكلة كجزء من الناتج المحلي الإجمالي، علماً بأن الاتجاهات منذ سنة 1900 كانت مفاجئة أحياناً.

لو نظرنا إلى انعدام المساواة بين الذكور والإناث لوجدنا أنه في الأساس يتم استثناء نحو نصف سكان العالم من الإنتاج، ففي سنة 1900 شكلت المرأة 15 في المئة فقط من القوى العاملة. ما الخسارة من المشاركة الأقل للنساء العاملات؟ حتى لو أخذنا في الاعتبار أن أحداً يجب أن يقوم بأعمال منزلية غير مدفوعة الأجر وزيادة تكاليف تعليم الإناث، فإن الخسارة على أقل تقدير تشكل 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنة 1900. أما اليوم ومع مشاركة أعلى للإناث، ومع فروقات أقل في الأجور، فإن الخسارة هي 7 في المئة، ومن المتوقع أن تهبط إلى 4 في المئة بحلول سنة 2050.

وكمفاجأة كبرى، على الأرجح، سيبرز أن التغير المناخي حسب التوقعات المحيطة به، سيجني فائدة صافية في معظم جوانبه، حيث ارتفع ليصل إلى 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً في الفترة من 1900 إلى 2025، وهذا بسبب أن ارتفاع درجة حرارة الأرض له تأثيرات مختلطة، وبالنسبة لزيادة درجات الحرارة بشكل معتدل، فإن لذلك فوائد منتشرة.

من جهة، فإنه نظراً لكون ثاني أكسيد الكربون يعمل كسماد فإن وجود مستويات أعلى من ثاني أكسيد الكربون كان بمنزلة نعمة للزراعة، علماً بأنه يشكل أكبر تأثير إيجابي، يقدر بنسبة 0.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن ارتفاع درجات الحرارة بشكل معتدل تمنع الوفيات بسبب البرد أكثر من تسببها في وفيات بسبب الحرارة الزائدة، إضافة إلى أنها تقلل من الطلب على التدفئة أكثر من زيادتها لتكلفة التبريد، بما يوحي بتحقيق مكاسب تقدر بنسبة 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من نقص المياه مما يكلفنا 0.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويؤثر بشكل سلبي على الأنظمة البيئية مثل الأراضي المطيرة بتكلفة تقدر بنحو 0.1 في المئة.

وبينما ترتفع درجات الحرارة، فإن التكاليف سترتفع والفوائد ستتراجع، مما يؤدي إلى انخفاض دراماتيكي في صافي الفوائد... وبعد سنة 2070، فإن ارتفاع درجات الحرارة في العالم سيصبح صافي تكلفة للعالم، مما يبرر العمل المتعلق بالمناخ من أجل التقليل من تلك التكاليف الآن وفي العقود المقبلة.

لكن حتى نضع الأمور في سياقها، فإن بطاقة النتائج تظهر أن أكبر مشكلة تواجه العالم إلى حد بعيد هي التلوث الهوائي الداخلي، فاليوم يقتل التلوث الداخلي من الطبخ والتدفئة باستخدام أنواع سيئة من الوقود أكثر من ثلاثة ملايين إنسان سنوياً، أو ما يعادل خسارة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن في سنة 1900 كانت تلك التكلفة تصل إلى 19 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن تهبط إلى ما نسبته 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول سنة 2050.

إن مؤشرات الصحة عالمياً أظهرت بعضاً من التحسينات الكبيرة، فمتوسط العمر المتوقع للبشر تغير بالكاد قبل أواخر القرن الثامن عشر، لكن ليس من المبالغ فيه الإشارة إلى الحجم الهائل للمكاسب التي تحققت منذ سنة 1900، ففي تلك السنة كان متوسط العمر المتوقع عالمياً 32 سنة مقارنة بعمر 69 سنة الآن (والتوقع بأن يصل متوسط العمر إلى 76 سنة بحلول سنة 2050).

كان العامل الأكبر في تلك النتيجة انخفاض وفيات الرضع، فعلى سبيل المثال حتى فترة قريبة مثل سنة 1970 كان يتم تحصين حوالي 5 في المئة من الرضع ضد الحصبة والكزاز والسعال الديكي والدفتيريا وشلل الأطفال، وبحلول سنة 2000 وصلت النسبة إلى 85 في المئة، وهذا ينقذ حياة ثلاثة ملايين إنسان سنوياً، مما يعني أن تحصين الرضع ينقذ سنوياً حياة بشر أكثر من البشر الذين كان من الممكن أن ينقذهم السلام العالمي في القرن العشرين.

هناك جهات عديدة تقف وراء هذا النجاح، فمؤسسة "غيتس" و"تحالف جافي" أنفقت أكثر من 2.5 مليار دولار أميركي، ووعدت بصرف 10 مليارات أخرى على اللقاحات. إن الجهود المبذولة من "نادي الروتاري" و"منظمة الصحة العالمية" والعديد غيرها قد خفضت من شلل الأطفال بنسبة 99 في المئة عالمياً منذ سنة 1979.

من الناحية الاقتصادية فإن تكلفة اعتلال الصحة في بداية القرن العشرين شكلت 32 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي نسبة عالية جدا، وأما اليوم فإن هذه النسبة تراجعت إلى 11 في المئة، ويتوقع أن تقل بمقدار النصف بحلول سنة 2050.

ان المتفائلين ليسوا محقين بشكل كامل (فخسارة التنوع البيولوجي في القرن العشرين تكلف نحو 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، علماً أن هناك أماكن تخسر أكثر من ذلك بكثير) ولكن الصورة واضحة. إن معظم الموضوعات المدرجة في بطاقة النتائج تظهر تحسينات من 5 إلى 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والاتجاه العام هو أكثر وضوحاً. لقد تراجعت المشاكل العالمية بشكل دراماتيكي مقارنة بالمصادر المتوافرة لمعالجتها.

بالطبع، هذا لا يعني أنه لم يعد هناك مشاكل. ورغم أن هذه المشاكل أصحبت أقل شأناً بكثير، فإن المشكلات المتعلقة بالصحة والتعليم وسوء التغذية والتلوث الهوائي وانعدام المساواة بين الذكور والإناث والتجارة لاتزال كبيرة.

لكن على الواقعيين أن يؤمنوا أن العالم أصبح في وضع أفضل بكثير، كما أن بطاقة النتائج تظهر لنا التحديات الجوهرية التي تواجهنا حتى نصل إلى سنة 2050 بحال أفضل. يجب أن نوجه تركيزنا المستقبلي، ليس على أساس الروايات الأكثر تخويفاً أو على أساس مجموعات الضغط الأكثر صخباً، لكن على أساس تقييم للأهداف من أجل معرفة المجالات التي يمكن أن نحقق الأفضل فيها.

* بيورن لومبورغ | Bjørn Lomborg ، أستاذ مساعد في كلية كوبنهاغن للتجارة، ومؤسس ومدير "مركز إجماع كوبنهاغن"، ومؤلف كتاب "البيئي المتشكك" وكتاب "اهدأ"، وهو محرر "مقدار تكلفة المشاكل العالمية بالنسبة إلى العالم؟".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top