يتمحور الخبر الأهم اليوم حول قرار الرئيس أوباما المفاجئ التحاور مع كائنات سياسية أقل شأناً. قام هذا الرئيس، الذي يشتهر بانعزاله والذي بدأ ولايته الثانية كما لو أن حملة انتخابات عام 2012 لم تنتهِ، بدعوة أعضاء من الكونغرس وحتى بعض الجمهوريين الأشرار إلى غداء وعشاء، وهنا ينشأ السؤال: هل هذه مجرد مناورة تكتيكية أم أن أوباما يريد فعلاً تحقيق إنجاز كبير خلال السنتين المقبلتين وأدرك أنه يحتاج إلى الجمهوريين لبلوغ مبتغاه؟

Ad

لا شك أنه يملك أسباباً كثيرة ليستخلص أن سياسة استبعاد الجمهوريين ما عادت فاعلة، كذلك ترتب على حملته لتصوير اقتطاعات الموازنة على أنها نهاية العالم نتائج عكسية. فقد رفض الحزب الجمهوري التراجع عن مطلبه برفع الضرائب مجدداً. حتى الجسم الصحافي المطيع في البيت الأبيض كشف عدداً من محاولات الإدارة تشويه الحقائق، كذلك بدا قرار وقف جولات طلاب المدارس في البيت الأبيض خلال عطلة الربيع محزناً وقاسياً.

انخفضت شعبية أوباما إلى ما دون الخمسين في المئة، وبدأ الديمقراطيون يدركون أن اقتطاعات الإنفاق في الموازنة ستؤدي إلى نتائج سلبية إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق أشمل بشأن الموازنة. يواجه أوباما سنتين إضافيتين من حروب الموازنة، ولن يتمكن من أن يحقق فيها أي إنجاز، إن لم ينجح في التوصل إلى اتفاق ما.

في المقابل، أوضح أوباما ومساعدوه في البيت الأبيض أن أولويتهم العظمى تكمن في إعادة نانسي بيلوسي إلى رئاسة مجلس النواب عام 2015. فقد بدأ أوباما ومدير حملته عام 2012، جيم مسينا، بحشد المتبرعين بغية تحقيق هذا الهدف، ووضع خطابه خلال حفل تجديد القسم، خطاب "حالة الاتحاد"، واقتراحاته بشأن الموازنة كل المسائل في إطار يُظهر أن أولوياته تتمحور حول تحقيق خاتمة ليبرالية كبيرة خلال سنتيه الأخيرتين.

لا شك أن ظهور نوع جديد من التعاون بين الحزبين يتلاءم تماماً مع استراتيجية حزبية مماثلة لعام 2014. فكلما بدا أوباما عقلانياً اليوم، صار في موقع أفضل يتيح له لوم الجمهوريين على الإخفاق السنة المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، يحب الناخبون المستقلون رؤية السياسيين يتعاونون معاً، وإن كان هذا التعاون دون جدوى. لذلك قد يظن أوباما أنه لا يملك ما يخسره بالتخلي راهناً عن استراتيجيته التي تقتصر على العمل مع الديمقراطيين، فيمكنه أن يعود إلى محاربة الجمهوريين وعزلهم متى يشاء، فقد أحب على وجه الخصوص عقد الصفقات في مجلس الشيوخ بهدف عزل جمهوريي مجلس النواب.

نتيجة لذلك، ننصح المعارضة الجمهورية في الوقت الراهن: لا تثقوا بل تحققوا (وهذه نسخة معدلة عن قول ريغان بشأن الحد من انتشار الأسلحة). برهن أوباما مراراً أننا لا نستطيع الوثوق به في المفاوضات السرية، لأنه يستطيع لاحقاً الادعاء أنه دعم أمراً لم يؤيده في الحقيقة. لذلك يجب أن يختبر الجمهوريون مدى جديته على العلن، ما يتيح للناخبين معرفة مَن يعرقل حقًّا التقدم.

أقدم الجمهوريون على خطوة مفيدة، عندما شددوا على ما يدعونه "النظام المعتمد" في الكونغرس، ويعني ذلك وضع التشريعات من خلال اللجان، ما يتيح مناقشة التفاصيل، وهكذا يستطيع الجمهوريون تحقيق أولوياتهم، منجزين انتصارات سياسية صغيرة تؤدي إلى إصلاح الوضع المالي الفدرالي أو القضاء على أي برامج سيئة، وإن لم يتمكنوا من التوصل إلى "صفقة كبرى".

تحمل هذه الاستراتيجية ميزة إضافية: الضغط على ديمقراطيي مجلس الشيوخ أيضاً لتمرير التشريعات، بدءاً بأول مشروع موازنة له خلال أربع سنوات. ولا شك أننا سنتعلم الكثير خلال مشاهدتنا رئيسة لجنة الموازنة باتي موراي وهي تناضل للفوز بأصوات الديمقراطيين لتمرير زيادة كبيرة في الضرائب. ولا شك أن هاري ريد سيفرح أيضاً باستمالة كل هذه الأصوات لتمرير قانون ضبط الأسلحة الذي يطالب به جناحه الليبرالي.

لكن المعيار الحقيقي لجدية أوباما لا يقوم على مدى استعداده لمناقشة شؤون الدولة خلال مأدبة طعام، بل على نوع التسويات السياسية المحددة التي يبدو مستعداً لعقدها. إليكم ثلاثة اختبارات محددة لسياسة أوباما:

• هل يتخلى عن مطالبته بزيادة ضريبية خارج إطار الإصلاح الضريبي؟ لا مجال لحدوث ذلك، ولا شك أن تمسكه بإصراره سيفسد أي فرصة للتوصل إلى صفقة بشأن الموازنة. يملك أوباما في مجال الإصلاح الضريبي شركاء ديمقراطيين متعاونين عدة، منهم رئيس لجنة الموارد ديف كامب وممثل ولاية أوهايو في مجلس الشيوخ روب بورتمان، لكن الصيغة المعتمدة يجب أن تكون معدلات منخفضة مقابل عدد أقل من الثغرات، ويجب أن تأتي أي عائدات إضافية من النمو الاقتصادي الأسرع الذي سيلي ذلك.

• هل يقبل في مسألة الهجرة ببرنامج "العامل- الضيف" الأكثر كرماً ومرونةً؟ يريد الاتحاد الأميركي للعمال وكونغرس المنظمات الصناعية برنامجاً محدوداً تتولى فيه هيئة سياسية تحديد متى تعاني البلاد نقصاً في العمال، فضلاً عن عدد التأشيرات التي تُمنح لصناعات معينة. ولا شك أن كل ما يشبه خطة الاتحاد الأميركي للعمال وكونغرس المنظمات الصناعية لن يوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين للعمل في الولايات المتحدة، إلا أنه سيقضي على الإصلاح في الكونغرس.

• هل أوباما مستعد لطرح إصلاحات حقيقية بشأن المخصصات على الطاولة؟ كما ذكرنا سابقاً، لا تحل اقتراحات الرئيس بشأن برنامج الرعاية الصحية مشكلة الإنفاق في هذا المجال. وباستثناء خطة دعم الأقساط التي طرحها بول راين، تستحق الفرصة الوحيدة للإصلاح اسم "مشاركة الكلفة الشاملة"، التي ترغم الأفراد على تحمل على الأقل جزءاً من كلفة رعايتهم الصحية.

قد تظنون أننا نبالغ في تشكيكنا في استعداد أوباما لاتخاذ أي من هذه الخطوات. لكنه لم يعرب عن أي استعداد لذلك طوال خمس سنوات، فضلاً عن أن إدارته مليئة بمستشارين أمثال فاليري جاريت وجاك لو، اللذين يعتبران الانتصارات الحزبية أهم من حل المشاكل، ولكن علينا أن ننتظر لنرى ما ستسفر عنه سياسة أوباما.