مصر في عين العاصفة... فماذا يفعل الجيش؟!
تواجه مصر اليوم تحدياً جديداً عبر تحركات الشارع التي خرجت عن عقالها، وأصبحت فعلاً عشوائياً وغوغائياً بلا مضمون، بعد أن أجهضت ثورة 25 يناير الرائعة وتحول مسارها من تغيير تاريخي للأمة المصرية إلى مشروع فوضوي وطائفي وتقسيمي يهدد كيان مصر الأمة الموحدة المنسجمة منذ قرون بتركيبتها الاجتماعية والدينية والعرقية والجغرافية الممتدة من العريش حتى الواحات ومن رشيد إلى حلايب.نعم مصر اليوم بأيدٍ أصولية دينية تعبث بتراثها وتركيبتها كدولة مدنية حديثة أسسها الأمير محمد علي باشا في القرن التاسع عشر، ويحاولون إرجاعها إلى نماذج أثبتت فشلها في إيران دولة الملالي المأزومة بمواجهة العالم، ومثل باكستان التي حولت القيادات ذات التوجهات الدينية في العقود الثلاثة الماضية فيها أرض باكستان لتكون مهداً لصناعة الحركات الدينية المتطرفة التي انعكست عليها دماراً وعدم استقرار ومشاكل اقتصادية موجعة، وأفغانستان التي تعيش حالة الفشل المزمن كدولة، مع استثناء تركيا النموذج الناجح رغم وجود توجه ذي صبغة دينية في السلطة بسبب الضمانات الدستورية والقانونية التي تحمي علمانية الدولة التركية ومرجعيتها المدنية.
السلطة في مصر ذات التوجه الأصولي مرفوضة وخطيرة، ولكن في نفس الوقت نموذج الفوضى وإسقاط مؤسسات الدولة ونظامها المنتخب في الشارع مرفوض وخطر أيضاً على أي دولة ولذلك يجب أن يواجه المصريون ممارسات الأصوليين من الإخوان المسلمين والجماعات السلفية المتحالف بعضها معها عبر الضغط الشعبي بالعصيان المدني في مؤسسات الدولة التي يحاولون الانقضاض عليها وإلحاقها بهم، إضافة إلى اللجوء إلى القضاء الذي يشكل خط دفاع مهماً في هذا السياق، وتكثيف جهود التوعية والتنوير لدى الفئات التي يستغلها التيار الديني لتجييرها لمصلحته انتخابياً وسياسياً بواسطة الخطاب الديني.كما يجب على القوى المدنية في مصر أن تعي حرفية اللعبة السياسية ومناوراتها، لاسيما بعد أن تمكن التيار الأصولي بشقيه الإخواني والسلفي من جرها إلى انتخابات نيابية ورئاسية قبل صدور دستور دائم يحمي كيان مصر كدولة مدنية متعددة الديانات والثقافات، وهو ما جعل تحالف الأصوليين يفرض أصول اللعبة ومحدداتها، ولذلك فإن الجميع اليوم يلعب على وقع الملعب الذي يحدده الإخوان المسلمون الذين يوشكون على تهديد وحدة مصر كدولة وسلامة أمنها الاجتماعي الذي لا أعتقد أن الجيش المصري سيتهاون في حمايته في الوقت المناسب واتخاذ موقف جاد وصارم حياله.وبسبب تلك المخاطر التي تحيط بمصر لا يرى أحد أن فوضى الشارع وإلغاء ما ترتب عن الصناديق الانتخابية – رغم كل المآخذ التي شابت الانتخابات الرئاسية- عبر الفوضى والمواجهات سيكون أمراً إيجابياً، بل إن المطلوب أن يكون للجيش المصري في هذه المرحلة الكلمة الحاسمة بفرض هيئة عليا مختارة بعناية ومتوازنة لصياغة دستور يحمي مصر ويكون مرجعية لمرحلة سياسية جديدة بعد عامين من الفوضى والتخبط، وليس عيباً أن يرعى جيش كتابة دستور برعايته لحماية بلد من الانهيار والتفتت، فمن أسس نظام تركيا هو الجيش عبر الضابط مصطفى أتاتورك، وكثير من الجيوش في دول متقدمة أشرفت على كتابة دساتير دولها وكانت ضمانة تنفيذها وحمايتها.