ثمة مؤشران حدثا مؤخراً لفتا نظر المراقبين للشأن السوري لما لهما من تأثير مباشر وغير مباشر على ملابسات الوضع في سورية وتداعياته:

Ad

المؤشر الأول: زيارة السلطان قابوس بن سعيد لطهران ولقاؤه بالقيادة الإيرانية، وحينما أتحدث عن جلالة السلطان فأنا أتحدث عن شخصية سياسية ذات قبول ومصداقية معروفين وهما مطلوبتان في هكذا أمور مهمة.

ولن يدور في خلدي أو أتوقع أنه أتى في زياره بروتوكولية عادية، أو لتذوق الفالودة والفستق الإيراني، بل أتوقع أن زيارته هي لإرسال رسالة أميركية للقيادة الفارسية، فحواها التحذير من التهور في مساندة الأسد أكثر مما يحصل الآن، وطبعاً المقصود عدم تدخل إيران لمساندة الأسد في حال الضربة العسكرية الأميركية المتوقعة.

وحسبما أرى أن إيران أذكى من أن تدخل حرباً خاسرة ليست في مستواها أو قدرتها الحقيقية، نعم إيران تدخلت عسكرياً في القصير لكنه كان تدخلاً محسوباً، وكان أشبه باستعراض قوة في ساحة خالية، وأمام خصم ضعيف لا يملك الإمكانات الكافية، وقد استغلت إيران تدخلها العسكري في القصير.

تدخلت (عبر حليفها حزب الله وعدة ميليشيات عراقية، وعدد قليل من عناصر فيلق القدس) لإظهار إخلاصها للإسد، إلا أن معركة القصير ليست كحرب الأميركيين الإلكترونية التي لا قدرة حقيقية لإيران ولا حتى لحلفائها على الوقوف أمامها كندّ لندّ، فشتان بينها وبين القصير.

 والمعطيات فيها احتمالات أنه في حال بدء الضربة الأميركية ستكتفي بإرسال عدة انتحاريين هنا وهناك لذر الرماد في العيون لا أكثر، غير اشتغال الآلة الإعلامية التابعة لها، والتي ستركز على صور المصابين الأطفال والنساء، لاستدرار عطف العالم كما جرت العادة، وهذا أقصى ما تستطيعه لأن أي مواجهة حقيقية ضد أميركا هي بمنزلة انتحار، فالقدرات فيها اختلاف هائل، والقيادة الإيرانية تعرف ذلك تماما.

المؤشر الثاني زيارة الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية لموسكو، فهنا أيضاً تكثر الظنون، وتتبلور التوقعات، إلا أني أرى وبوضوح عرضاً سعودياً وربما خليجياً لروسيا، بإمكانية ملء المكان السوري الشاغر في حال سقوط الأسد، وأظن أن بندر سيحاول قصارى جهده لإقناع الروس بذلك، وإرسال رسالة طمأنة موثوقة لروسيا بهذا الخصوص، على أن تتوقف فوراً عن كل أشكال الدعم للأسد، سواء السياسي أو غيره، وإقناعها بما يرضيها أو يرضي مصالحها على الأدق.

 وبندر من نوعية "أرسل حكيماً ولا توصه"، أتوقع نجاحه في مهمته لعدة أسباب أهمها: أن وقوف روسيا مع الأسد لم يكن بناء على أخلاقيات معينة، عنوانها المبادئ والصداقة، بل لأن الأسد يؤمن مصالحها، وهو الآن أصبح عبئاً حتى عليها، وبندر أظنه سيزيل هذا العبء، ويطمئن القيادة الروسية بعدم تأثر مصالحها، وعلى طريقة "واحد زائد واحد يساوي اثنين"!

خلاصة القول: الكل يريد مصالحه واستمرارها، وعدو الأمس يمكن أن يكون صديق اليوم، وزيارتا السلطان وسمو الأمير لطهران وموسكو لا أظنهما للنزهة، إنما لتعبيد طرق آمنة وسط وقائع إقليمية معقدة، حتى يتم تحقيق المصالح المطلوبة، وأهمها إسقاط الأسد بأقل خسائر ممكنة مستقبلاً، وستثبت لنا الأيام ماكان خافياً.