مرسي محرر القدس!

نشر في 02-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 02-06-2013 | 00:01
 ياسر عبد العزيز تلقت مصر تحت حكم "الإخوان المسلمين" صفعة قاسية من إثيوبيا؛ إذ حولت تلك الأخيرة مجرى نهر النيل قبل أيام، استعداداً لبناء "سد النهضة"، الذي سيؤثر تأثيراً سلبياً في حصة مصر من المياه وفق أغلب التحليلات المعتبرة، وهي الحصة التي لا تسد حاجات المصريين المتصاعدة للمياه في الأساس.

ليس مشروع سد النهضة جديداً، بل هو تنفيذ لقرار استراتيجي اتخذته إثيوبيا منذ سنوات، وبالتالي فإن نظام الرئيس السابق حسني مبارك يتحمل مسؤولية كبيرة حيال ما آلت إليه الأمور بخصوص هذا المشروع، لكن الأكيد أيضاً أن نظام الرئيس مرسي لم يقم بواجباته حيال المشروع على النحو المطلوب، وبالتالي فقد عجز تماماً عن التأثير في السلوك الإثيوبي بما يحول دون الإضرار بالمصلحة الوطنية المصرية.

الأنكى من ذلك أيضاً أن قرار تحويل مجرى النهر اتخذ غداة زيارة مرسي لأديس أبابا ولقائه بأرفع المسؤولين الإثيوبيين، كما أن أجهزة الدولة المصرية بدت مرتبكة أو صامتة، إلى حد أن وزير الري مثلاً قال في برنامج تلفزيوني إنه "عرف بموضوع السد من الإعلام... وأنه فوجئ بتغيير مجرى النهر".

يشعر المصريون بقلق عميق ومخاوف حقيقية من جراء التقارير عن احتمال تراجع حصة بلادهم من المياه التي لا تكفيها في الأساس، كما يشعرون بالإحباط من جراء أداء مؤسسة الرئاسة المزري وممارسات أجهزة الدولة المتخبطة.

لم يتحدث مرسي عن أزمة المياه بوضوح حتى هذه اللحظة، ولم يطلع الرأي العام في بلاده على تفاصيل زيارته لإثيوبيا، وما إذا كان قد ناقش مع المسؤولين في أديس أبابا هذا الملف الشائك، ورغم أن الرئيس عادة ما يتحدث في مناسبات عديدة، وأحياناً يطيل في الحديث بأكثر مما تحتمل المواقف أو يسمح البروتوكول، فإنه لزم الصمت في هذه المسألة.

وبموازاة صمت الرئيس وتجنبه إطلاع الشعب على حقيقة الأمور ومصارحة المواطنين بالوقائع والتداعيات المنتظرة، اكتفى المتحدث الرئاسي بكلام مُعلب لا يشرح الموقف ولا يوضح الخيارات المتاحة أمام القاهرة للتعاطي مع تلك الأزمة.

لكن ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي استطاعوا أن يلقوا الضوء على الطريقة التي يفكر بها مرسي في مسائل استراتيجية مثل تلك المتعلقة بحقوق مصر في مياه النيل والطريقة التي يمكن أن تعالج بها العجز المائي المتفاقم؛ فقد أعاد هؤلاء الناشطون إطلاق مقطع من لقاء تلفزيوني أجراه الرئيس مع قناة "العربية" قبل نحو عام، حيث سئل عن موضوع المياه، فأجاب بقوله: "أنا واثق أن حصة مصر من المياه ستزداد... سنرفع أيدينا إلى السماء بالدعاء، فتزيد المياه" (...). إنها إجابة واضحة، تكشف كيف يمكن أن يتعامل الرئيس، ومن ورائه جماعة "الإخوان" مع قضايا استراتيجية بحجم قضية مياه النيل.

يتساءل المصريون بدهشة حقيقية: لماذا يتصرف "الإخوان" هكذا؟ وكيف يتحملون المسؤولية التاريخية عن الانهيار التام الذي تمضي إليه البلاد تحت حكمهم؟ وكيف يقودون البلد إلى هذه الهوة السحيقة، معرضين أمنه القومي ومصالحه الحيوية للخطر؟

يتساءل المصريون في حيرة شديدة: هل يمكن أن يكون "الإخوان" على علم بمدى فداحة المخاطر التي باتت تحدق بنا؟ وإذا كانوا على علم بذلك، فكيف يجدون مبرراً للاستمرار في ذات الطريق الكارثية التي ستودي إلى الغرق؟

لن يكون من الصعب على علماء السياسة والاجتماع السياسي والعلوم السلوكية وعلم النفس والتاريخ أن يجيبوا عن هذه الأسئلة، وأن يوضحوا، لمن أخذتهم الدهشة، أسباب السلوك "الإخواني"، خصوصاً أن الظاهرة "الإخوانية" امتدت في التاريخ لأكثر من ثمانية عقود، ولدينا كثيرون ممن كتبوا عنها وحاولوا تحليلها، سواء من داخل "الجماعة" أو خارجها، أو حتى من بين هؤلاء الذين كانوا يوماً أعضاء أو قادة فيها ثم انشقوا لسبب أو لآخر.

يعتقد "الإخوان" أنهم يمثلون "الإسلام الحقيقي"، وكما يتضح من تحليل خطاب كثيرين منهم؛ فهم على قناعة تامة بأنهم "الأكثر أمانة واستقامة وشرفاً ونزاهة" مقارنة بالآخرين. لا يقبل هذا المفهوم الدحض عندهم.

إنهم إذن يصورون لأنفسهم ولقواعدهم أنهم "الإسلاميون النورانيون"، و"الأكثر نزاهة واكتمالاً" و"الأقل خطأ وضعفاً مقارنة بالآخرين"، وبالتالي فهم "الأجدر بالحكم".

كما يعتقدون أيضاً أن من يعارضهم إنما يعارض الإسلام نفسه، وبالتالي فإن أعداءهم هم أعداء الإسلام، الذين يكيدون له ويريدون هزيمته وإعاقته عن الوصول إلى الريادة و"أستاذية العالم" و"إسعاد البشر".

ويرى "الإخوان" أنهم قادرون على تحقيق "النهضة" والوصول إلى "أستاذية العالم" فقط لأنهم "مسلمون نورانيون"، ولأن حركتهم "ربانية"، ولأن الله سينصرهم على أعدائهم، وأن حل المشكلات الكبيرة التي قد تواجههم سيأتي بـ"الدعاء" كما قال مرسي، وبنصرة من الله آتية لا محالة.

ولذلك، سيمكننا أن نفهم ما قاله مفتي "الإخوان" الدكتور عبدالرحمن البر الأسبوع الماضي، حين تحدث عن "عراف يهودي قال إن ثالث رئيس اسمه محمد سيحكم مصر بعد عبدالناصر سيحرر القدس"، وهي المقولة التي فاجأ بها الحاضرين في مؤتمر أقيم تحت شعار "حررنا جنودنا... وسنحرر أقصانا".

يروج مفتى "الإخوان" لمرسي باعتباره "محرر القدس" المنتظر، لمجرد أنه خضع لشروط خارجين على القانون في سيناء، ووسّط "جهاديين"، لإطلاق سراح جنود مخطوفين، ضارباً عرض الحائط بسيادة الدولة وهيبتها.

يقول مفتي "الجماعة" هذا، ويردد أنصارها كلاماً مماثلاً، ويتحدث قادتها عن "نهضة" يقودها مرسي، ويروج إعلاميون في قنوات دينية موالية للنظام كلاماً عن "إنجازات كبيرة" يحققها الرئيس، ويطالبون الإعلام "الليبرالي" بعرض "النجاحات والجوانب الإيجابية" التي تحققها مصر تحت حكم "الإخوان".

تتردى الأوضاع في مصر تردياً كبيراً إلى حد أن إحدى الحركات المعارضة الجديدة استطاعت في أيام قليلة أن تجمع ملايين التوقيعات لمواطنين أرادوا سحب الثقة من مرسي، في ظل انقطاع متكرر للكهرباء، وأزمات طاحنة في السولار والبنزين، وارتفاع حاد في الأسعار، وتدهور في قيمة العملة المحلية، وانخفاض مطرد للاحتياطي النقدي، وحكومة لا تسعى سوى إلى الاستدانة لتمويل العجز المتفاقم.

وفي ظل هذه الأوضاع الكارثية التي تعرفها البلاد، تقوم بعض الجماعات الخارجة على القانون بخطف جنود، فتجري معها الدولة مفاوضات، بعدما يتحدث الرئيس عن ضرورة الحفاظ على أرواح "الخاطفين والمخطوفين".

لكن كل هذه المشكلات الضخمة والإخفاقات غير المسبوقة لا تمنع مفتي "الإخوان" من توقع قيام مرسي بـ"تحرير القدس"، بعد التدليس على المواطنين ومحاولة إقناعهم أنه قام بتحرير الجنود المخطوفين.

ليست مشكلة الحكم "الإخواني" في مصر تدني الكفاءة، وافتقاد الرؤية، وغياب الوازع الأخلاقي فقط، لكن مشكلته الكبيرة تكمن في انطوائه على ضلالات وهلاوس واضطرابات ذهانية، وهي مشكلة ستكبد المصريين خسائر فادحة.

* كاتب مصري

back to top