Zero Dark Thirty والمخرجة بيغلو... خاسران في اللعبة السياسية
لا مفر من أن يعتبر كلّ من يتابع هذا الموسم من ترشيحات الأوسكار أن نتائج هذه السنة تعكس انتصاراً للقوى المشاغبة في مجلس الشيوخ الأميركي وخسارة غير مستحقة لفيلم Zero Dark Thirty بشكل عام والمخرجة كاثرين بيغلو بشكل خاص.
صحيح أن فيلم Zero Dark Thirty حصد خمسة ترشيحات (من بينها ترشيحات عن فئة أفضل تصوير، وأفضل ممثلة لجيسيكا شاستين، وأفضل سيناريو أصلي لمارك بوال)، لكن تفوّقت تلك النتائج بترشيح إضافي فقط على فيلم Anna Karenina السخيف وبقيت بعيدة عن الترشيحات الاثنتي عشرة التي حصدها فيلم Lincoln للمخرج ستيفن سبيلبرغ.الأسوأ من ذلك هو أن بيغلو، وهي المخرجة نفسها التي فازت بجائزة أوسكار في عام 2010 عن فيلم The Hurt Locker، لم تترشح للجائزة عن هذه التحفة الفنية التي اعترف الجميع بقيمتها عالمياً. ما الذي تغير بين تلك الفترة والمرحلة الراهنة؟ قرر ثلاثة أعضاء من مجلس الشيوخ التصدي بكل قوتهم لهذا الفيلم تحديداً، لذا شكّلوا هيئة للتداول بالموضوع على رغم افتقارها إلى الخبرة السينمائية.
في 19 ديسمبر، كتب السيناتور كارل ليفين (ديمقراطي عن ولاية ميشيغان) وديان فاينشتاين (ديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا) وجون ماكين (جمهوري عن ولاية أريزونا) رسالة مفتوحة للتعبير عن خيبة أملهم الشديدة بفيلم Zero Dark Thirty: «نظن أن الفيلم غير دقيق بأي شكل وهو يقدم معلومات مغلوطة كونه يفترض أن التعذيب أدى إلى جمع المعلومات التي ساهمت في تحديد موقع أسامة بن لادن».من المعروف أن «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» تكره الجدل الذي تثيره الأفلام تقليدياً (أدت الخلافات في شأن فيلم The Hurricane مثلاً إلى منحه ترشيحاً في نهاية المطاف عن فئة أفضل ممثل، دنزل واشنطن، بعد احتدام الجدل حول دقّته)، لذا كان من الطبيعي أن تعني تلك الرسالة نشوب مشاكل حول ترشيحات الأوسكار المتعلقة بفيلم Zero Dark Thirty. ليس مفاجئاً أن يستسلم المخرجون للضغوط ويبدأوا بإدانة العمل. بما أنهم يمثّلون أحد أصغر فروع التصويت في الأكاديمية، هم يكونون أكثر عرضة للنزوات والضغوط الخارجية.أجندة وطنيةحالما أعلن أعضاء مجلس الشيوخ أن هذا الموسم مخصص لمهاجمة ذلك الفيلم، كان من المتوقع أن تنضم أصوات أخرى إلى الحملة في عصر الإنترنت المعاصر. اعتبرت ناعومي وولف التي تكتب في صحيفة «ذي غارديان» البريطانية مثلاً أن بيغلو «تدافع عن الشر» وقارنتها بالمخرج الألماني المعروف في الحقبة النازية، ليني ريفنستال، وجاهرت بأن «الجميع سيتذكرون دوماً أن هذه المخرجة تحب أساليب التعذيب». لو أنّ الحملة لم تضرّ مباشرةً بفيلم Zero Dark Thirty، كان يمكن اعتبار هذه الضجة كلها مجرد دليل ضمني على استمرار قوة الأفلام في مجتمعنا. كانت خطة أعضاء مجلس الشيوخ التي نجحت بشكل كامل تقضي باستغلال رواج فيلم Zero Dark Thirty لوضع بند القضاء على التعذيب ضمن الأجندة الوطنية. إنه هدف نبيل وأنا أؤيده كلياً. لكن من المؤسف أن يتعرض هذا الفيلم القيّم لأضرار جانبية في خضم تلك المساعي.لنتذكر بيتر أوتول وهو يرفس جملاً في مشهد من فيلم Lawrence of Arabia ولنتخيّل أن يقوم سيناتور من مؤيدي جمعية «بيتا» المدافعة عن حقوق الحيوان بإدانة الفيلم بسبب التعامل غير الإنساني مع الحيوانات. قد يعتبر البعض أن ذلك الفيلم لا يتمحور فعلياً حول سوء معاملة الحيوانات وأن رفس الجِمال لم يكن وراء نجاح فيلم Lawrence of Arabia. لكن رغم كل ما كُتب، لا يتعلق Zero Dark Thirty فعلياً بأعمال التعذيب وهو لا يروّج فكرة أن التعذيب أسلوب فاعل لجمع المعلومات.شاهدتُ فيلم Zero Dark Thirty في مرحلة سابقة من دون أن أقرأ رأي مجلس الشيوخ كي أعرف ما يجب أن أفكر به. تأثرتُ بطريقة عرض أسلوب «الإغراق بالماء» وأنواع أخرى من التعذيب، فقد كانت المشاهد وحشية لدرجة أنني تركتُ صالة العرض وأنا مقتنع بأن أي أميركي يجب ألا يتورط في ممارسات مماثلة.لا ممارسات غير إنسانيةيمارس أعضاء مجلس الشيوخ حقوقهم الدستورية حين يصرّون على أن فيلم Zero Dark Thirty يعلن أن أساليب التعذيب هي التي قادت وكالة الاستخبارات المركزية مباشرةً إلى مكان بن لادن. لكنّ الفيلم الذي شاهدتُه مختلف. من بين المعتقلَين الرئيسين اللذين تعرضا للتعذيب أمام الكاميرا، يختلق أحدهما الأكاذيب أمام المحققين بينما لا يتفوه الآخر بشيء رغم قساوة ما تعرّض له. لا تعكس هذه الأحداث أي دعم لتطبيق تقنيات التعذيب خلال الاستجواب.لا تحصل وكالة الاستخبارات المركزية على أي معلومات من ذلك الرجل العنيد، بل إن دهاء المحققين بعد التعذيب هو الذي نجح في تحقيق الهدف. إذا كان فيلم Zero Dark Thirty يحمل أي رسالة عن العوامل التي ساهمت في تحديد موقع بن لادن، فلا تتعلق تلك الرسالة بالتعذيب بل بالطريقة البطيئة والدقيقة والصعبة لجمع المعلومات طوال عقد من الزمن تقريباً من جانب شخصية مايا التي تؤديها شاستين.دافعت بيغلو بكل فصاحة عن فيلمها حين تلقّت جائزة النقاد في مهرجان نيويورك السينمائي قائلة: «أريد أن أقول إنني أقف لحسن الحظ في غرفة تعجّ بأشخاص يفهمون أنّ عرض مشاهد قاسية على الشاشة لا يعني تأييد تلك المشاهد. لو كان الأمر كذلك، لما تمكّن أي فنان من تصوير الممارسات غير الإنسانية. وما كان أي كاتب ليتمكن من الكتابة عنها وما كان أي مخرج ليستطيع التطرق إلى المواضيع الشائكة في هذا الزمن». كان رأيها صحيحاً إلى أقصى الدرجات!