الوصايا العشر لإنعاش الاقتصاد الهندي

نشر في 06-07-2013
آخر تحديث 06-07-2013 | 00:01
اقتصاد الهند قد يصبح أكبر 40 مرة بحلول عام 2050 عمّا كان عليه في سنة 2000، أي سيبلغ نفس حجم اقتصاد الولايات المتحدة المحتمل في ذلك الوقت، ورغم أنه لن يكون في حجم الاقتصاد الصيني فإنه قد يكون أفضل كثيراً من ذلك.
 بروجيكت سنديكيت يمكن القول إن عصر نمو الأسواق الناشئة قد انتهى... وبينما يتعافى الاقتصاد الأميركي فإنه من المتوقع أن ترتفع التكلفة الدولية لرؤوس الأموال المتدفقة حول العالم وهو الأمر الذي سيعمل على تحجيم تدفق الاستثمارات؛ وفي ضوء تلك الخلفية فإن تلافي الانزلاق في أزمة تالية هو أفضل ما تستطيع معظم الدول الناشئة القيام به، وإذا راقت وجهة النظر تلك للمتابعين، فإن الهند قد تصبح النموذج المثالي نظراً لأنها تعاني اتساعاً في عجز حسابها الجاري، وارتفاع مستويات الاقتراض العامة بها فضلاً عن استمرار صعود التضخم وضعف العملة.

لا أظن ذلك... وبصورة عامة يمكن القول إن الصورة القاتمة حيال الأسواق الناشئة مبالغ فيها، والهند على وجه الخصوص تستطيع تلقين المتشائمين درساً.

وقد قمت قبل أيام بزيارة سريعة لمقابلة الوزير الأول في ولاية غوجارات، نارندرا مودي، الذي طلب مني تقديم عرض يتناول كيفية قيام الهند بالاستفادة مما تملكه من إمكانات هائلة. استعرضت نقاطاً سبق أن ناقشتها في دراسة سابقة شاركت في إعدادها مع توشار بودار في سنة 2008 والتي كانت بعنوان: "10 نقاط تستطيع الهند من خلالها الاستفادة من إمكاناتها بحلول سنة 2050". وكان المثير بالنسبة إلي أنه بعد خمس سنوات لم تكن توصياتنا في حاجة إلى مراجعة أو تنقيح. (كانت في حاجة إلى تعميق، وأعتزم أنا ومودي عقد مؤتمر للخبراء قبل نهاية هذه السنة).

وفي هذا الشأن لن أدلي بأي رأي حول فرص الوزير الأول مودي في أن يصبح رئيساً للوزراء بعد الانتخابات العامة التي ستجري في السنة المقبلة، وقد تم الإعلان أنه سيقود حملة حزب "بهاراتيا جاناتا" المعارض. وهو شخصية مثيرة للجدل ويوصف من قبل خصومه بأنه متطرف طائفي، وأنا أرى أنه بارع في أمور الاقتصاد، وهي سمة تحتاج إليها الهند بشدة لدى اختيارها قائداً للبلاد.

تعزيز النمو

ومثل كل الهنود يحب مودي اختصار الاصطلاحات بحروف مركبة من أوائل الكلمات... وأنا كذلك، كما أنني معجب بأفكاره المتحورة حول الحد الأدني والحد الأقصى للحكومة MG، وكذلك اختصارات P2G2، التي تعني مزيداً من النشاط والاقتراب من الشعب تساوي "حكومة رشيدة".

ولست أظن أنها مجرد مصادفة لأن ولاية غوجارات استطاعت تفادي التباطؤ الذي أصاب الاقتصاد الوطني الهندي وقلص معدل نموه إلى النصف تقريباً، فيما واصلت تلك الولاية نموها محققة معدلات ثنائية الرقم تفوق الـ10%.

وفي نهاية الأمر يتوقف النمو في الأجل الطويل على شيئين هما: عدد العمال وكيفية إنتاجهم. وديمغرافية الهند لافتة، وهي في طريقها إلى تنمية طاقتها من القوى العاملة بحوالي 140 مليوناً بين عامي 2000 و2020، وهي زيادة تعادل عدد سكان فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة معاً.

وحتى مع نمو غير متميز يبلغ أكثر قليلاً من 6 في المئة سنوياً، فإن اقتصاد الهند قد يصبح أكبر 40 مرة بحلول عام 2050 عمّا كان عليه في سنة 2000- أي حوالي حجم اقتصاد الولايات المتحدة المحتمل في ذلك الوقت. رغم أنه لن يكون في حجم الاقتصاد الصيني، فإنه قد يكون أفضل كثيراً من ذلك، ومن الممكن تحقيق معدل نمو نسبته 8.5 في المئة طوال تلك الفترة كلها- مع نمو سنوي غير مستبعد بأكثر من 10 في المئة خلال الأعوام الخمسة عشرة إلى العشرين المقبلة- شريطة إجراء بعض التغييرات.

ويتمحور الأمر كله حول الإنتاجية... وأداء الهند يتسم بالضعف في المؤشرات الاقتصادية المتنوعة التي تعتبر مهمة بالنسبة إلى قياس مدى فعالية الاقتصاد- وهي أسوأ من البرازيل والصين حتى روسيا.

ومن أجل تغيير ذلك الوضع يتعين عليها القيام بعشرة أمور:

1- تحسين الحوكمة. وقد يكون ذلك هو الهدف الأكثر صعوبة وأهمية، والشرط السابق على كل ما سيلي من أمور، وكان مودي على حق: أياً كان الرجل الذي سيقود الحكومة التالية في سنة 2014، فإن الهند ستكون بحاجة إلى تحديد حد أقصى وحد أدنى من الحكومة MG. ولا جدوى من وجود أكبر ديمقراطية في العالم إلا إذا كانت ستفضي إلى حكومة فعالة حقاً.

2- إصلاح التعليم الابتدائي والثانوي. وقد أمكن تحقيق قدر من التقدم هنا، غير أن عدداً ضخماً من الشبان يحصل على القليل من الدراسة أو يفتقر إليها بشكل تام، وأنا عضو في "مجلس التعليم للجميع"، وهو منظمة دولية تعمل كمظلة للمجموعات المعنية التي تشجع ألمع المتخرجين على تمضية سنتين في التدريس. لدى الهند اليوم حوالي 350 مدرساً في هذه البرامج وفي وسعها استيعاب عدد يصل إلى 350 ألفاً أو أكثر من ذلك.

3- تحسين الكليات والجامعات. فلدى الهند عدد قليل جداً من المؤسسات الممتازة، ونصيبها من الأماكن ضمن تصنيف شنغهاي لأعلى الجامعات في العالم يجب أن يتناسب مع نصيبها من الناتج المحلي الإجمالي- أي أن يكون لها 10 جامعات ضمن قائمة أعلى 500 على مستوى العالم (ولديها في الوقت الراهن واحدة فقط)، ويجب جعل ذلك هدفاً رسمياً.

4- تبني سياسة تقوم بتحديد هدف لمستويات التضخم في البلاد وجعله مركزاً محورياً تسعى سياسات الاقتصاد الكلي جميعها إلى تحقيقه.

5- طرح إطار عمل لسياسة مالية في الأجلين المتوسط والطويل، وربما مع تحديد أسقف محددة ومتباينة، كما هي الحال في معاهدة ماستريخت- عجز مالي يقل عن 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ودين عام يقل عن 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

6- زيادة التجارة مع جيرانها... فصادرات الهند إلى الصين قد تقارب التريليون دولار بحلول سنة 2050 أي ما يقارب إجمالي ناتجها المحلي الاجمالي في سنة 2008. غير أن للهند درجة قليلة من التجارة مع بنغلادش وباكستان. وليس ثمة طريقة أفضل لتحسين العلاقات السلمية من التوسع في ميدان التجارة، وهذا يعني الصادرات والواردات معاً.

7- تحرير الأسواق المالية. والهند في حاجة الى كميات هائلة من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية من أجل الاستفادة من إمكاناتها في هذا السياق- ويتعين توافر سوق رأس مال فعال وأفضل أداءً من أجل استيعاب تلك التدفقات بصورة حكيمة.

8- تحديث الزراعة. وغوجارات ليست منطقة تقليدية للإنتاج الزراعي، غير أنها تمكنت من تحسين الإنتاجية من خلال مبادرات مثل "الثورة البيضاء" التي أطلقتها في إنتاج الحليب. ثم إن البلاد برمتها- التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الزراعة- في حاجة إلى إجراء تحسينات ضخمة وهائلة.

9- تشييد المزيد من البنى التحتية. وقد طرت من دلهي إلى أحمد أباد ثم إلى مومباي وذلك في يوم واحد فقط، وقد وصلت إلى حيث يجب أن أكون- غير أن من الواضح أن الهند تحتاج إلى مزيد من العمل في هذا المضمار. ويتعين اعتماد بعض الآليات والطرق التي استخدمتها الصين كمحرك ودافع للاستثمار في البنية التحتية.

10- حماية البيئة. لن يكون في وسع الهند تحقيق نمو بنسبة 8.5 في المئة خلال ثلاثين إلى أربعين سنة المقبلة، ما لم تتخذ خطوات لحماية جودة البيئة واستخدام الطاقة والموارد الأخرى بصورة أكثر فعالية. وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التقنية المستدامة يمكن أن يعزز النمو بشكل جيد.

سيكون لدي المزيد للحديث عن تفاصيل التقدم والانجازات في هذا المشروع. ولكن يكفي الآن القول إن إمكانات الهند واسعة ويمكن استغلالها إذا توافرت الإرادة المطلوبة.

* جيم أونيل | Jim O Neill ، الرئيس السابق لبنك غولدمان ساكس لإدارة الأصول، والسكرتير التجاري في وزارة المالية البريطانية، وأستاذ فخري في علم الاقتصاد في جامعة مانشستر، وباحث زائر في مركز أبحاث الاقتصادية بروغل.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top