ثورة 25 يناير لم تكتمل واقعياً وسينمائياً
اهتم صانعو السينما في مصر برصد ثورة 25 يناير عبر عشرات الأفلام، ورغم اتفاقهم في مناقشة الحدث إلا أنهم اختلفوا في المعالجة، فما أوجه هذا الاختلاف؟ هل استطاع هؤلاء التعبير عنها كحدث شامل أم ينتظرون تحقيق أهدافها لعرضها كاملة؟ وما أبرز الصعوبات التي واجهتهم؟
في «الشتا اللي فات» يناقش المخرج ابراهيم البطوط قضية التعذيب التي تعرض لها بعض المتظاهرين وتأثيرها في نفوس النشطاء من خلال رصد آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، موضحًا أن الفيلم يتجنب الحديث عن الثورة بشكل مباشر، بل يعرضها في خطّ متواز من القصص التي تحدث للشخصيات الرئيسة الثلاث، ذلك بداية من 2009 فترة الحرب على غزة وخروج الشباب في تظاهرات تضامنيّة معها من بينهم: مهندس ديكور (عمرو واكد)، ما يعرضه للتعذيب على يد ضابط أمن دولة الذي يتم الانتصار عليه في نهاية الفيلم مع انطلاق الثورة.يضيف البطوط أن ميدان التحرير جمع أبطال الفيلم فقرروا تقديم عمل عن الثورة، من هنا تضمنه قصصًا حقيقية، أضيفت إليها ضرورة درامية لتتماشى الأحداث مع العرض السينمائي الذي يستمد روحه من الواقع ولا ينقله كما هو.
يلفت إلى أنه حاول ابتكار حوار خاص بكل شخصية من خلال الارتجال الذي يعتمده الأبطال بعد معرفتهم لما يدور في ميدان التحرير ثم إعادة بلورته، رافضًا وضع نهاية لأفلام الثورة لأن الثورة لم تكتمل بعد.تغيير آتٍفي «مولود في 25 يناير» يهتمّ المخرج أحمد رشوان بالأحداث التي وقعت بعد 18 يوماً من قيام الثورة من بينها: الاستفتاء، التحول في موقف المجلس العسكري، فض الاعتصامات بالقوة والمحاكمات العسكرية... منطلقًا من تنحي الرئيس مبارك، ومعتمدًا أسلوب حوار يقترب من المشاهد.ارتأى رشوان أن تتوقف نهاية الفيلم يوم 27 مايو، إذ نودي فيه بالدولة المدنية وسط رفض التيارات الدينية، وبمشهد ولادة أطفال في أيام مختلفة من الثورة، في إشارة منه إلى أن هذا الجيل لن يصمت وسيحدث التغيير على يديه.بدوره يهتم المخرج أحمد سوني في فيلم «18 يوم في مصر» بعرض وجهة نظر سينمائيين شاركوا في الثورة، معتبراً أنه أول فيلم وثائقي يعرض آراء هؤلاء الفنانين الذين غالبًا ما يكتفون بنشرها في الصحافة ووسائل الإعلام. يرصد الفيلم هذه المشاركات من خلال 23 شخصية سينمائية من بينها: المخرج علي بدرخان، المنتج محمد العدل، الممثلة نهى العمروسي، المخرج عمرو عابدين...الأحداث التي شهدها شارع محمد محمود على مدى خمسة أيام ووقوع شهداء تشكل محور فيلم آخر لأحمد سوني بعنوان «عيون الحرية... شارع الموت»، حيث يبرز الأسلوب الدموي الذي تعاملت فيه الشرطة مع المتظاهرين.يرى سوني صعوبة تقديم عمل كامل عن الثورة لأنها ما زالت مستمرة، لذا يعكف على تقديم فيلمين آخرين عن أحداث وقعت فيها: «بروفة ثورة» الذي يتناول أحداث ما قبل الثورة وصولاً إلى قصر الاتحادية، و»جيكا... حلم الثورة المصرية» الذي يعرض قصة الشهيد الشاب جابر صلاح جيكا.يعتبر سوني أن أهم ما يميز أفلامه تركيزها على فكرة حقوق الإنسان من خلال تصوير كمّ الإهانات والمصابين والموتى الذين راحوا ضحية دفاعهم عن بلدهم. أنا والأجندةبعد معايشة المخرجة نيفين شلبي لمواطنين أصحاب حقوق مهدورة في مجالات مختلفة قررت أن تعكس اعتصاماتهم في عمل سينمائي بعنوان «الشارع لنا»، عرضت فيه نماذج من الفلاحين الذين يتم تهجيرهم من أراضيهم بالقوة لصالح مافيا الحكومة أو الشرطة، كذلك اعتصامات موظفي الضرائب العقارية، مقتل خالد سعيد والتصعيد الذي رافقه على المستويات كافة، انتهاء بقيام ثورة 25 يناير.توضح شلبي أنها بعد مشاركتها في الثورة المصرية كمواطنة أغضبها مصطلح «الأجندة» الذي استخدمه بعض السياسيين في مواجهة تظاهرات المصريين في ميدان التحرير، والادعاء بأن هؤلاء حصلوا على تمويل أجنبي، ما دفعها إلى تصوير فيلم ثان بعنوان «أنا والأجندة».حول الصعوبات التي واجهتها تشير إلى أنها خشيت فقدان بطاقة الذاكرة الخاصة بالكاميرا التي تحوي صورًا وفيديوهات بذلت مجهودًا في التقاطها، معتبرة أن عدم ظهور أي من نتائج الثورة سبب رئيس لعدم توافر أعمال سينمائية تتناول هذا الحدث العظيم باعتباره كاملا، مؤكدة أن ثمة تطورات تقع يوميًا، لذا من الصعوبة بمكان تصوّر نهاية للثورة في الأفلام في ظل إصرار الثوار على استمرارها بمبادئها كافة.تحت السيطرةاكتفت المخرجة الجزائرية سهيلة باتو بأحداث يوم 28 يناير لعرضها في فيلم «صباح الخير يا مصر»، لأنه نقطة انطلاقة الثورة المصرية في رأيها، ولا يستطيع أحد ذكر هذا الحدث من دون التوقف عنده.لفتت باتو إلى أن غياب سيناريو محدد للفيلم زاد من صعوبة التصوير، خصوصًا أنها كانت تلتقط صورًا بشكل يومي في مواقع مختلفة ولا تدري على أي نحو ستكون النهاية، وقد ساعدها في ذلك الشباب في ميدان التحرير.تضيف باتو أنها حرصت على إظهار الشعر الأبيض في الميدان بعدما زعم كثر بأنها ثورة الشباب وحدهم، لذا تحدثت إلى المسنين من الرجال والنساء للتأكيد على دورهم فيها.بدوره يرصد المخرج هاني فوزي في فيلمه «تحت السيطرة» (إنتاج 2011) أحداث السنة التي سبقت الثورة في الإسكندرية، من خلال عرض أحوال الطبقة الفقيرة والمتوسطة والأزمات الاجتماعية التي مرّت بها وأدت إلى ثورة الشعب، مشيرًا إلى أنه استوحى العنوان من ترداد المسؤولين عبارة «تحت السيطرة» عند سؤالهم في الإعلام عن الأحداث الجارية في البلد.