لهذا ذهب أبو مازن إلى المفاوضات!

نشر في 14-08-2013
آخر تحديث 14-08-2013 | 00:01
 صالح القلاب حتى القيادة الفلسطينية لا ترى أن هناك أي إمكانية فعلية لأي إنجاز ستسفر عنه المفاوضات التي بدأت في واشنطن، وانتقلت حسبما هو مقرر إلى القدس، مادام بنيامين نتنياهو هو رئيس وزراء إسرائيل، ومادام اليمين الإسرائيلي هو صاحب القرار في هذه الحكومة الإسرائيلية... إنه لا أمل إطلاقاً في أي انفراج وأي تقدم، ولو بمقدار قيد أنملة كما يقال، والدليل هو استئناف عمليات الاستيطان في القدس الشرقية (العربية)، وأن الإسرائيليين لم يبدر منهم، باستثناء خطوة إطلاق الأسرى الذين تم الاتفاق على إطلاقهم بوساطة أميركية، ما يشير إلى أنهم جادون في هذه المفاوضات.

ولعل ما يشجع الإسرائيليين على الاستمرار في التمترس في خنادق اليمين المتطرف أنهم يعتبرون أنه لا ضرورة لتقديم ما يعتبرونه "تنازلات" مادام العرب يعيشون هذه الأوضاع التي يعيشونها، ومادام الوضع العربي لم يكن مزرياً وبائساً كما هو الآن، ومادام الفلسطينيون غير قادرين على استعادة وحدتهم، وأن هناك نظام "حماس" في غزة الذي هو أول تجارب الإسلام السياسي في الحكم، والذي سيلحق حتماً بنظام الإخوان المنهار في مصر وفي تونس.

إن اليمين الإسرائيلي الحاكم، الذي يبني قراراته ومواقفه على أساس اللحظة العربية الراهنة التي يعتبرها لحظة مريضة لن يسفر عنها إلا أنظمة وكيانات مريضة وعاجزة، يرى أنه غير مضطر لتقديم أي "تنازلات"، وأن عليه أن يواصل الاستيطان ويواصل ضرب مرتكزات ومقومات الدولة المستقلة التي يسعى إليها الفلسطينيون ويؤيدها العالم كله، حتى تصبح هناك حقائق على الأرض تجعل إقامة هذه الدولة مسألة مستحيلة، حتى وإن حلت محل هذه الحكومة الإسرائيلية حكومة أخرى لديها قناعة فعلية ولديها استعداد فعلي لمثل هذه الخطوة.

وحقيقة إن نظرة اليمين المتطرف، سواء كان إسرائيلياً أو عربياً أو أميركياً أو أوروبياً، دائماً وأبداً قاصرة، فهذا اليمين لا يثق بحركات الشعوب ولا يدرك أبعادها، وهو دائماً وأبداً أسير اللحظة الراهنة، ولذلك فإنه لا يرى في هذا الذي يعيشه العرب إلا مجرد خراب ودمار، وهذا هو ما يجعل حكومة بنيامين نتنياهو تمد لسانها في وجه العالم كله ولا تتورع عن اتخاذ هذه القرارات الاستيطانية التي اتخذتها، بينما المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون يستعدون لجولة جديدة من مفاوضاتهم التي كانوا بدأوها قبل أيام في العاصمة الأميركية واشنطن.

لقد كان على الإسرائيليين، لو أنهم غير مصابين بداء البناء على اللحظة الراهنة، ولو أنهم غير قادرين على استشراف واقع مستقبل هو غير بعيد، أن يدركوا أن كل الشعوب الحية قد مرت بمثل هذه الأوضاع التي يمر بها العرب الآن من الفرنسيين إلى الأميركيين إلى الألمان إلى الصينيين إلى الروس وحتى إلى اليهود أنفسهم، فما يجري في المنطقة العربية هو ثورة على أوضاع فاسدة، وهو عملية تخلص من واقع لم تعد هناك إمكانية لاستمراره، وهو تمهيد لنهوض هذه الأمة العربية من كبوة هي التي مكنت الإسرائيليين من أن يعربدوا كل هذه العربدة، وأن يتطاولوا كل هذا التطاول.

إنه لا جدال إطلاقاً في أنه لا تجوز المراهنة على حكومة على رأسها بنيامين نتنياهو، وقرارها في يد مجموعة متطرفة غير قادرة على قراءة الوضع العربي الحالي قراءة صحيحة لاستشراف المستقبل، والتنبؤ باستحقاقاته، وهنا ورداً على كل الذين يأخذون على القيادة الفلسطينية ذهابها إلى هكذا مفاوضات محكوم عليها بالفشل مسبقاً فإنه لابد من تأكيد أن (أبو مازن) قد اتخذ القرار الصحيح بذهابه إلى هذه المفاوضات، التي يعرف أكثر من كل الذين عارضوه أنها ستكون مجرد قفزة في الهواء، فهو بحاجة إلى التخلص من هذا الجمود، وهو بحاجة إلى إعادة تسليط الأضواء على القضية الفلسطينية التي غدت وكأنها في طي النسيان بعد انشغال العالم بهذه الأوضاع المرعبة التي تجتاح العديد من الدول العربية، وهو بحاجة أيضاً إلى المزيد من تحشيد الرأي العام العالمي ضد الإسرائيليين، وهو كذلك بحاجة إلى أن يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن كل المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية.

back to top