أبو إسلام وتمزيق الإنجيل

Ad

سؤال طرحته على نفسي عندما مزق أبو إسلام الإنجيل بعد أن بصق عليه في إحدى فضائيات التيار الإسلامي المصرية، وعندما تظاهر أنصاره أمام محبسه، محاولين اقتحامه للإفراج عنه، بعد صدور قرار النيابة العامة في مصر بحبسه على ذمة التحقيق في تهمة ازدراء الأديان.

وهو السؤال ذاته الذي عدت أطرحه على نفسي، عندما استدعت النيابة العامة د. يوسف زيدان الفيلسوف والمفكر وأستاذ الفلسفة الإسلامية والكاتب الروائي، لاتهامه بازدراء الأديان في كتاب ألفه، يرى فيه أن الدين واحد، وأن الأديان السماوية، ما هي إلا رسالات لهذا الدين الواحد، اختلفت في الزمان والمكان، مثلما آمن "فولتير" بالله الذي لا تتوسط الإيمان به أي من الديانات المنزلة، ليوحد الإنسانية على الأرض في دعوته إلى التسامح بين العقائد الدينية المختلفة.

إنه الخوف والقلق الذي ينتاب كل المصريين من وصول التيار الإسلامي إلى الحكم في دول ثورات الربيع العربي، ومن مباركة أميركا لهذا التيار، التي ساعدته في الوصول إلى سدة الحكم في مصر.

فما الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى هذا الموقف؟

هي أسباب عدة سأطرحها في ما يلي:

1- بضاعتكم رُدَّت إليكم

أن دول الربيع العربي التي يحكمها التيار الإسلامي ستصبح مرتعاً خصباً، لهجرة التيارات المتطرفة والحركات الجهادية من الغرب، وهو ما حدث بالفعل، فقد أقبلت هذه التيارات على الهجرة إلى مصر، التي فتح لها النظام أبواب مصر على مصراعيها، فجاءت من ألمانيا حركات جهادية في مرسى مطروح، وهو ما نبهت الحكومة الألمانية مصر إليه، كما جاءت إلى سيناء حركات جهادية من الولايات المتحدة الأميركية وغيرها، لتعلن إحدى هذه الحركات إمارة إسلامية في سيناء.

2- الحد من جرائم الإرهاب في الغرب

أن هجرة الجهاديين والحركات الإسلامية المتطرفة من الغرب إلى وطن فتح ذراعيه لهم، وقد كان يطاردهم ويلاحقهم جنائياً ويزج بهم في السجون سيقلص من أهمية هذه الحركات ودورها، والتي كانت تنفذ عمليات انتحارية في أميركا وأوروبا.

3- أصابت عصفورين بحجر واحد

ولقد أصابت الولايات المتحدة الأميركية، عصفورين بحجر واحد عندما نجحت في تحقيق كل أهدافها من الحرب على الإرهاب، وحماية أمن إسرائيل، فالنظام في مصر تعهد لأميركا- قبل وصوله إلى الحكم وبعده- بحماية أمن إسرائيل، وعقد تحالفاً مع حركة "حماس" لتحقيق هذا الغرض، في مقابل التسهيلات التي قدمها هذا النظام لهذه الحركة في سيناء ومصر كلها.

4- الفوضى الخلاقة

وما يحدث من تداعيات في مصر لحكم التيار الإسلامي الذي يقوم على إقصاء الآخر، الذي أدى إلى تهميش أصحاب ثورة 25 يناير الحقيقيين، هؤلاء الشباب الطاهرين الأنقياء، الذين قاموا بثورة بهرت العالم كله، وحصد ثمارها قهراً وقتلاً وتعذيباً وسحلاً، ومن انقلات أمني في الشارع المصري، ومن فوضى لم تشهدها مصر من قبل، هي الفوضى الخلاقة التي نادت بها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس، كطريق للتحول الديمقراطي، والتي تدفع الشعوب العربية ثمنها الآن.

وأعتذر للقارئ في أن قضيتَي أبي إسلام وتمزيقه الإنجيل ومحاكمة فكر د. يوسف زيدان قد فرضا عليَّ أن أتناولهما قبل استكمال ما بدأته من حديث حول التعصب الديني في أوروبا في القرون الوسطى، لوحدة الموضوع.

كالاس حرك الوجدان الإنساني الأوروبي

وقد كانت محاكمة جان كالاس التي تناولتها في مقالي الأحد الماضي، والذي أعدم بطريقة بربرية قد حركت الوجدان الأوروبي، وأحيت أفكار أيراسموس في الدعوة إلى التسامح الإنساني التي قادها في عام 1517، ضمن حركة الإصلاح الديني، التي أسفرت في فرنسا، عن مرسوم التسامح الذي صدر في عام 1598، إلا أن هذا المرسوم ما لبث أن أُلغي في عام 1685 على يد لويس الرابع عشر.

وكان من قادة ورموز التسامح الديني جون لوك المفكر السياسي البريطاني، الذي نفي إلى هولندا، فرحبت به وبأفكاره لتصبح بلد التسامح الأول في أوروبا.

وكان جون لوك قد قاد في البرلمان حملته للتسامح، إلا أنه لم يُكتب لها النجاح إلا في عام 1689 عندما أصدر الملك "مرسوم التسامح" في عام 1689، ثم الاعتراف بحقوق المواطنة الكاملة للبريطانيين أياً كانت انتماءاتهم الدينية في عام 1828، ثم الاعتراف للجميع بحق الانتساب إلى جامعتي أكسفورد وكامبريدج بعد أن كانت بريطانيا مرتعاً خصباً لعشرات الشيع الدينية.

وكان من رموز التسامح الديني في الأرض الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية بنجامين فرانكلين، وتلاه توماس جيفرسون، مثقف الثورة الأميركية.

وإلى هؤلاء من رموز التسامح الديني الفضل في إنقاذ أوروبا من عصور الانحطاط في القرون الوسطى، لتصل أوروبا وليصل الغرب بوجه عام إلى ما وصلا إليه من تقدم ونهضة في كل مجالات الحياة.