على عكس أغلبية من يتابعون المشهد السياسي حالياً، فأنا ممن يؤمنون إلى حد بعيد بأن احتدام المشهد بهذه الطريقة المكثفة هو من العلامات الإيجابية لمصلحة الحراك المعارض في المحصلة العامة، وذلك انطلاقاً من السنن الكونية بأنه ليس بعد أي ضيق، مهما طال زمانه، إلا الفرج، وأن دوام الحال سلباً أو إيجاباً من المحال، وأن وصول الوضع السياسي عندنا إلى هذه النقطة السحيقة لن يكون بعده إلا الارتداد إلى الأعلى، مهما طال الأمد، ولكنني أؤمن أيضاً بأن ارتداد الأمور إلى الأعلى قد لا يكون سلساً وسهلاً، بل قد يكون أليماً دامياً.
لهذا فاستمرار السلطة، أو استمراؤها بلا خجل أو وجل وبلا رشد وحكمة، خنق الأمور، وتزوير الواقع- مثال ذلك تصريح رئيس الحكومة أخيراً "بأن الانتخابات البرلمانية والصوت الواحد وما أفرزته كانت عاملاً رئيساً في تهدئة الأوضاع"- والعبث به بهذه الطريقة الفجة السافرة كان لا بد له، وكان حرياً بها أن تدرك ذلك، أن يقودها إلى الوصول إلى نقطة تصادم شرس حتمية مع ردة فعل شعبية تزايد غضبها مع مرور الوقت وتتابع الأحداث، وكان لا بد لها أن تصل في وقت من الأوقات إلى مستوى تخرج معه عن الحسبان السلطوي وعن حدود قدرات السلطة على السيطرة سياسياً وأمنياً.تزايد شدة القمع والبطش والعبث السلطوي ما كان ليطفئ رغبة الناس بالتغيير، وما كان أبداً ليثبط حماسهم للمعارضة والمواجهة، بل كان الأمر، وسيكون دوماً، على العكس من ذلك، ففي كل مرة أقدمت فيها السلطة على تصرف أرعن جديد، كان الأمر حطباً ووقوداً جديداً يزيد النار اشتعالاً ويعيد إلى ما انطفأ منها جذوة اللهب. وقد صرنا نشاهد ونتابع بشكل متواصل ارتفاع سقف الخطاب المعارض بشكل يتجاوز كل مألوف، وذلك منذ ذلك اليوم الذي أشعل فيه مسلم البراك الفتيل، فصرنا نرى كيف تقاطر النواب من بعده على إشعال الفتائل بلا تردد، وصرنا نتابع كذلك ظهور ناشطين ومغردين لا يخافون ولا يتورعون عن الانتقاد والمعارضة بعبارات بلغت من القسوة والحدة مبلغاً بعيداً، هذا بالرغم من استمرار يد السلطة في ضبط وإحضار واعتقال وسجن النواب السابقين والناشطين والمغردين بشكل أثار استغراب الجميع بما فيهم الهيئات الحقوقية العالمية.وهذه الأمور في المجموع، وغيرها من الأمور الأخرى بطبيعة الحال، ستساهم سريعاً إن لم تكن قد ساهمت فعلاً في جمع شتات أطياف الحراك المعارض وضمهم في إطار واحد يتفق على المشترك الأهم الذي يتلخص في لزوم التصدي للسلطة، ومن يستقرئ المشهد اليوم بشكل حكيم لا يمكن له أن يتجاوز بحال من الأحوال احتمالية قيام العصيان المدني وصولاً إلى اشتعال الثورة.الكويت على حافة مرحلة مفصلية في تاريخها. وبعد هذا المفصل سيتغير شكل الأمور التي عرفناها على مدى عقود طويلة، وباب الاحتمالات مفتوح على مصراعيه لشكل وحجم التغيرات التي ستكون، ومن لا يزال يظن أن الكويت تختلف عن غيرها، فإن عليه أن يعيد التفكير.
مقالات
الكويت لا تختلف عن غيرها!
07-02-2013