«نبض»... نساء آن دو فيلموجان
تنطلق الفنانة والنحاتة الفرنسية آن دو فيلموجان في نحتها من الأسلوب الكلاسيكي وتقترب من التقنيات الحديثة، ما يجعل أعمالها تتسم بروحية خاصة واحترافية عالية، مجسدة ذلك في معرضها الأخير بعنوان {نبض} في غاليري مارك هاشم في بيروت، الذي تضمن 40 لوحة تشكيلية ومنحوتة من البرونز والأسمنت والكريستال والكولاج.
تضم أعمال آن دو فيلموجان تماثيل لنساء غير متناسقة وفي وضعيات حزينة وتأملية وجياكوميتية (نسبة إلى النحات ألبيرتو جياكوميتي) لكنها تنبض بالحياة، وتشّع بالعواطف الداخلية والروحية، وتطرح كثيراً من الأسئلة، وهي مستلهمة من كل شيء حولها، خصوصاً أعمالها البرونزية التي فقدت لمعانها المعدني وباتت أقرب إلى الآثار القديمة التي تعرض في المتاحف أو في باحات القصور.تركز دو فيلموجان على مادة البرونز لأنها، كما تقول، نبيلة ودافئة الملمس. ولديها لوحات ومنحوتات مكونة من قصاصات ورقية ومجلات بألوانها الباهتة والمعتقة، تحولت إلى ما يشبه جلداً للمنحوتات. وتلفتك بين مجموعتها منحوتتان صغيرتان من الكريستال الأبيض تستدعيان الرغبة للاقتراب منهما ولمسهما بانتباه ودراية وعناية. وتشير أعمالها كافة إلى احترافها وبراعتها التقنية في تشكيل نفسيات النساء وأفكارهن وربما انعزالهن.
تصقل الفنانة فكرتها في المواد التي تستعملها وتحولها إلى منحوتات لنساء هن أقرب إلى كيان شعري له تعابيره وملمسه ونظرته وتصفيفة شعره، ترسم الفنانة العري الأنثوي وتنجح في ذلك، لكن لا شيء يوحي بالإغراء والرغبة والنشوة واللذة. كل شيء يوحي بالحشمة في أعمال الفنانة الفرنسية، إذ كل شيء مصقل ليكون مناسباً لفكرة الفنانة التعبيرية والشكلية والتأملية. واللافت في المنحوتات واللوحات أن المرأة لا تنظر أبداً إلى المشاهد أو إلى الأفق البعيد بل تتوجه نظرتها إلى ذاتها ونفسها، تتأمل ذاتها كأنها تحافظ على سرها بعينيها. يخيل لزائر معرض آن دو فيلموجان للوهلة الأولى أنه أمام منحوتات جياكوميتي أو إيقاعها الذي يثير العاطفة الشديدة بسبب نحولة أجسادها العنيدة والممغوطة والطويلة الساقين التي تتمسك بالروح، ليتبين أنه يشاهد قامات ممشوقة ومرتاحة لا تخشى الانزلاق والوقوع، إذ تهتم الفنانة كثيراً بملمس أعمالها وانسيابها وعنادها في البقاء والصمود وحفظ الأسرار.عرفت آن دو فيلموجان بحساسيتها النادرة بالإضافة إلى إحساسها القوي باللون والملمس في الفن التصويري، وهي ترى الأمور من حولها تستلهمها وتحللها بنظرة فضولية. معظم منحوتاتها تصويرية وفي الوقت نفسه منفصلة عن الواقع، تؤكد غلبة العاطفة والطاقة في الحياة، ونتيجة لذلك تدور غالبية أعمالها حول التعبير عن الطبيعة البشرية.ولدت آن دو فيلموجان في باريس وتعيش وتعمل في نيويورك. تابعت تدريباً مكثفا على مدى 10 سنوات في مختلف المدارس الفنية بما في ذلك كلية هارفارد للفنون وغيرها. كانت بداية اهتمامها تدور حول الفن التجريديّ. وكان اللون وخصائصه من أكبر اهتماماتها، لكن، سرعان ما اتجه اهتمامها إلى الكولاج الملوّن ومن ثم إلى النحت الأقرب الى الكلاسيكي. خلال {معرض نيويورك الفني} في عام 2000 لفتت موهبتها الفنية نظر الفنان الإيطالي ذائع الصيت لورينزو كاسيو، فشجعها على متابعة الدراسة الفنية، خصوصاً تطوير خبراتها التقنية، لا سيما النحتية منها، ريثما تتمكن من قدرتها على تطويع وتشكيل مختلف المواد على هوى أفكارها وأحاسيسها. وسبق أن جالت الفنانة من خلال أعمالها على عواصم أوروبية وأميركية.