من بين الكثير مما قاله حسن نصر الله في خطابه الأخير، يوم الاثنين الماضي، بالنسبة للأزمة السورية :"الرهان على الحسم العسكري... على النجاح العسكري هو رهان فاشل وهو رهان مدمر"، وحقيقة أن المفترض أن "سيد المقاومة"! وهو يقول مثل هذا الكلام قد تذكر أنه هو صاحب هذا الرهان، وأنه هو الذي قال في خطاب، أقل إطناباً من هذا الأخير، بعد إرسال ميليشيات حزبه لمشاركة قوات الأسد في "تحرير" قرية القصير في منطقة حمص: "أعدكم بأننا سنحقق انتصاراً في سورية كما حققنا الانتصار على إسرائيل"، والمقصود هنا هو حرب عام 2006 التي كان انتصار "حزب الله" فيها يتمثل في قتل أكثر من ألف وخمسمئة من اللبنانيين، وهذا غير الجرحى، وتدمير ضاحية بيروت الجنوبية، والأهم هو استقدام قوات دولية لترابط في شريط الحدود اللبنانية- الإسرائيلية.

Ad

إنَّ مثل هذا التناقض بالإمكان تحمله من رجل بات يعتقد أنه قادرٌ حتى على تحريك الكرة الأرضية، وتغيير مسارها الكوني بخنصر إحدى يديه، أما أن يقول: لماذا تتجاهلون الوقائع السياسية والميدانية في الصراع الداخلي القائم في سورية؟ ولماذا تتجاهلون أن هناك نظاماً وحكومة وجيشاً وقيادة وتأييداً شعبياً بنسبة كبيرة جداً وصفّاً داخلياً واقفاً بوجه هذا التحدي؟ فإن هذا هو ذروة "الوقاحة" السياسية خصوصاً أنَّ صاحب هذا الكلام لم يتورع من أن يعتبر المعارضة السورية مجرد عشرات الألوف من المقاتلين الأجانب الذين جيء بهم من كل أنحاء العالم.

كان على حسن نصر الله، قبل أن يقول مثل هذا الذي تدحضه الحقائق ولا تقبله العقول السليمة، أن يتذكر أن عدد القتلى من أبناء الشعب السوري قد تجاوز، حسب أرقام الأمم المتحدة، المئة ألف، وأن عدد المفقودين يتجاوز هذا العدد كثيراً وأنَّ نزلاء السجون السورية يبلغ عددهم 215 ألفاً وأن المهجَّرين الذين لجأوا إلى الدول المجاورة قد تجاوزت أعدادهم المليونين، وأن المهجرين في الداخل تتجاوز أعدادهم هذا العدد بمرتين وربما ثلاث مرات وأكثر.

ثم كان على السيد حسن نصر الله أن يتذكر قبل أن يتحدث عن التأييد الشعبي لنظام بشار الأسد وعن تماسك جيشه أن عدد الذين انشقوا عن هذا الجيش من الضباط من مختلف الرتب وصل إلى نحو عشرة آلاف ومن الجنود تجاوز المئة ألف، وأن "الجيش العربي السوري" الذي تحدث عنه لم يعد موجوداً وأنَّ قوات هذا النظام باتت تقتصر على الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري ومجندي كتائب الميليشيات الطائفية الذين مثلهم مثل من بقي في هذا الجيش ينتمون إلى الطائفة التي غدت مختطفة من قبل نظام طائفي وليس نظام الطائفة وهي الطائفة العلوية الكريمة.

لا أحد ينكر أن هناك مجموعات إرهابية متطرفة غدت توجد في المناطق التي رحل عنها النظام في شرقي البلاد وشمالها لكن ما يجب ألا ينكره السيد حسن نصر الله هو أن تنظيم "النصرة" وتنظيم "دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية" هما من صنع المخابرات السورية والمخابرات الإيرانية أيضاً، وأنهما كانا سلاح بشار الأسد في إزعاج الأميركيين بعد احتلال العراق في عام 2003 وبعد رفْعه شعار ضرورة إغراق القوات الأميركية في أوحال بلاد الرافدين وفي رمالها المتحركة.

إن هناك حقائق من الصعب إنكارها لا من قبل حسن نصر الله ولا من قبل غيره ولعل أهم هذه الحقائق هو أن الظلم الذي تعرض له الشعب السوري على مدى أربعين عاماً وأكثر هو سبب كل ما حصل ويحصل الآن في سورية، وهو أن المؤامرة الخارجية كذبة كبرى، وأن بشار الأسد هو الذي حوَّل "القطر العربي السوري" إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وأن الاحتلال الذي يعانيه هذا البلد وهذا الشعب هو الاحتلال الإيراني، وهو احتلال ميليشيات "حزب الله"، وهو أيضاً احتلال الميليشيات المذهبية التي جاءت من العراق واليمن والبحرين ومن بعض مناطق الخليج العربي ومن كل حدبٍ وصوب، وأن حماية مقام السيدة زينب وقبر حجر بن عدي هي مجرد مبرر كاذب لوجود هذه الميليشيات في هذه الدولة العربية ولمشاركة قوات هذا النظام وأجهزته الأمنية المتعددة في قمع الشعب السوري والتنكيل به، ولذلك ولكل هذا نقول: ما هكذا تورد الإبل يا شيخ نصر الله... وعيبٌ يا "سيد المقاومة"!